في كتابه الأول "مبدع بالصدفة"، يذكر مدرب الإبداع المهني تود هنري كيف أن صديقًا له سأله سؤالًا غريبًا وغير متوقع: "في اعتقادك ما الأرض الأعلى أو الأسمى قيمة في العالم؟". حينها حزّر عدد من الحضور الإجابة، فمنهم من قال مانهاتن في نيويورك، وآخرون قالوا حقول النفط في الشرق الأوسط أو مناجم الذهب في جنوب إفريقيا، قبل أن يبين له صديقه كيف أن الصواب قد جانبهم إلى حدٍ كبير، سكت صاحبه ثم أردف: "جميعكم مخطئون، إن أعلى الأراضي قيمة في العالم هي المقابر! ففيها دفنت كل الروايات التي لم تكتب، والأعمال التي لم يقدر لها أبدًا أن تؤسس، والعلاقات التي تنتهي بالمصالحة، وكل الأمور الأخرى التي فكر الناس في أنهم لربما يجدون طريقهم إليها غدًا، ومع ذلك يأتي يومٌ وقد استنزفوا كل غدهم". عاد ذلك اليوم هنري إلى مكتبه وقد أُلهم فكرة كتابه اللامع "متْ فارغًا"، متناولًا ممارسة ملايين البشر الذي رحلوا، وهم يحملون كثيرًا من المشاعر الرائعة والطاقات الكامنة والأفكار القيّمة التي لم تخرج ولم يستفد منها أحد، سوى أنها دفنت معهم! ليس المقصود عدم التوقف عن العمل حتى الوصول إلى هوس "الكاروشي"، أو الموت بسبب الإرهاق من العمل حسب الثقافة اليابانية، لكن أن تكون متيقنًا أنك إذا أويت إلى فراشك ولم تستيقظ يوم غد؛ فستكون قد أفرغت ما في جعبتك من أي عاطفة أو فكرة أو إبداع عالق في الداخل، وبأقل قدر ممكن من الندم على الكيفية التي وظّفت فيها تركيزك ووقتك وطاقتك. يخشى كثيرون من طرح أفكارهم ألا تجد طريقها للتنفيذ، أن تسرق من غيرهم، أن تجبرهم على ترك منطقة راحتهم، والكثير من الأعذار التي تبقي الأفكار والآمال حبيسة عقولنا، حتى ندرك أننا لم نفعل شيئًا يذكر. لا أحد يريد أن يفكر بالموت رغم أنه محطة لا بد الوصول من إليها يومًا ما، ولعل استشعار مفهوم نهاية الحياة بشكل واضح يؤدي بنا إلى إدراك أوسع لما نريد أن نحقق أو يتذكرنا به الناس، فهل تستطيع أن تجعل ما تريد هو هدفك الأساسي؟ وما يتبع ذلك من تركيز واهتمام، حتى تكون قد أفرغت ما لديك قبل موتك. اشتهر عن هنري قوله: "لا تذهب إلى قبرك وأنت تحمل في داخلك أفضل ما لديك، اختر دائمًا أن تموت فارغًا".. يفصح أكثر: كل الخير الذي في داخلك سلّمه قبل أن ترحل. إذا كنت تملك فكرةً جيدةً نفِّذها، علمًا نافعًا بلّغه، هدفًا عميقًا حقّقه". لنستشعر قول المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام: «إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها".. صديقي لا تمت فارغًا.