«لم أستمتع بإجازة من عملي منذ ثلاثين سنة!»، أتذكر هذه الكلمات لأحد مدرائي السابقين وهو يفتخر بممارسته للعمل بشكل مستمر دونما انقطاع على مدى ثلاثة عقود. هل هذا شيء رائع؟ هل الموازنة بين العمل والحياة الخاصة أمر ممكن؟ مقالة اليوم تحاول الإجابة عن هذه الأسئلة.. لعله من الحق أن أعترف بأنني تأثرت في فترة سابقة من فترات حياتي العملية بالفكر الياباني الذي يميل بقوة إلى التفاني المبالغ فيه في العمل على حساب الصحة والعلاقات الاجتماعية لدرجة وصفها الباحثون بمصطلح إدمان العمل ( Workaholic )، ومن الطبيعي أن تجد موظفي الشركات والمؤسسات اليابانية يعملون من الصباح الباكر لمنتصف الليل مما ينتج عنه ما يطلق عليه (الكاروشي) أو الموت بسبب الإرهاق الزائد من العمل، ومن أشهر الحالات التي توفيت بسبب الكاروشي رئيس الوزراء الياباني الأسبق أوبتشي كيزو عام 2000م. ومن اليابان ننتقل إلى المؤسسات في السعودية والعالم العربي حيث مجموعات الواتساب الخاصة بالعمل، والتي لا ترتبط بأي توقيت محدد أو جدول زمني مما يجعل المرء في حالة عدم القدرة على الفصل بين العمل والحياة الشخصية، ولاشك أن التواصل بالواتساب لأمور طارئة رائع وسريع مقارنة بالاجتماعات والخطابات والاتصالات والإيميلات؛ ولكن شخصيا لا أراها الأسلوب الأنجع والأكثر ذكاءً للنقاشات على مستوى فرق العمل، حيث يمكن أن تمتد النقاشات وتتشعب إلى مالا نهاية، وأذكر أحد الأصدقاء، والذي أدمن الواتساب بسبب مجموعات العمل لدرجة أصبح معها لا يستطيع النوم أو الأكل دون النظر بشكل مستمر لشاشات هواتفه الذكية. هذا يجرني إلى كتاب الممرضة الاسترالية (براوني وير) عن أهم خمسة أشياء سيندم عليها المرء عند الموت والتي أوجزتها في الأمور التالية بعد أوقات طويلة قضتها في رعاية كبار السن: عدم تخصيص وقت أطول مع العائلة والأصدقاء وإضاعة العمر في روتين العمل. عدم العيش بالطريقة التي يتمناها الإنسان حقيقة لنفسه والعيش بالطريقة التي يريدها الأناس الآخرون. عدم التعبير عن المشاعر بصدق وصراحة. عدم التواصل مع الأصدقاء القدامى وتجديد التواصل معهم. عدم فهم معنى السعادة الحقيقي بأنه قناعة واختيار شخصي لا يرتبط بالكراسي والأموال والشهرة. * ما هو الحل للتعامل مع هذا الواقع لمن غرقوا في بحار العمل والقلق لكي يتمكنوا من الموازنة بين العمل والحياة الخاصة والعائلية؟ إليكم هذه النصائح: حاول تحديد ساعات عمل معينة والتزم بها. تجنب مراجعة الإيميلات والرسائل الخاصة بالعمل دون انقطاع وخصص لها أوقاتا محددة. مارس الرياضة بشكل يومي. خصص أوقاتا يومية للعائلة ودورية مع الأصدقاء. وأختم بكلمات الشيخ محمد الغزالي: «أتدري كيف يسرق عمر المرء منه؟ يذهل عن يومه في ارتقاب غده، ولا يزال كذلك حتى ينقضي أجله ويده صفر من أي خير!». Your browser does not support the video tag.