كان لأمير المؤمنين (عمر بن الخطاب) هيبة ووقار عند المسلمين، حيث كان رمزا للعزة والقوة والشجاعة منقطعة النظير، وكان إسلامه بداية مرحلة جديدة في السيرة النبوية، حيث كان المسلمون غير قادرين على الطواف بالبيت حيث ينالهم الأذى من قريش، كان إسلامه فارقا بلا شك، وعندما تولى الخلافة الراشدة سنة 13ه، رغب رضوان الله عليه في نفر من الصحابة أن يكونوا عونا له ومستشارين في أمور الدولة، لأن الدولة الإسلامية في ذلك الوقت بدأت تتمدد وأخذت بالتوسع شرقا باتجاه العراق وفارس وشمالا باتجاه الشام، وقد كان من أقرب الناس لعمر وأكثرهم احتفاءً به هو الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه -، كان من السابقين في الإسلام، حيث كان ثامن من أسلم من الرجال، وهو من العشرة المبشرين بالجنة، ولا ننسى أنه كان - رضي الله عنه - من كبار تجار الصحابة، ولقد ظهر أثر ذلك عليه، حيث كان يلبس أجمل اللباس وأفضله، وكان مهر زوجته ثلاثون ألف درهما، ولكن هذا المال لم يكن مانعاً له من إنفاقه في وجوه الخير، حيث كان يتسابق مع الصحابي الجليل عثمان بن عفان في الإنفاق علي جيش العسرة، وفيهم نزلت آية الإنفاق في سورة البقرة، إضافة إلى تلك المناقب، كان من المقربين للفاروق، فهو من أشار على عمر بن الخطاب بأن يكون قائد جيش المسلمين في معركة القادسية الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص، وتحقق النصر فيها للمسلمين، وهو من دل الصحابة وذكرهم بحديث الرسول عندما كانوا في الشام أثناء وقوع طاعون عمواس فحصل الاختلاف المعروف بين أبي عبيدة والفاروق - رضي الله عنهما - هل يتجهون للشام أم يرجعون، فأتى ابن عوف بنص الحديث الشريف :»إذا سمعتم بالطاعون وأنتم بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها»، وهو أيضاً من أشار على الفاروق أن يكون حد شارب الخمر ثمانين جلدة، إضافة إلى ذلك، كان عمر يقدمه في الفتيا، ففي موسم الحج كان يوصي المستفين الذين قدموا إليه يوصيهم باستفتاء ابن عوف، ولم يقف هذا الحب وتلك العلاقة المتجذرة في حياتهم، بل تجاوزه إلى اللحظات الأخيرة من العُمر، فهذا عمر يصلي بالناس صلاة الصبح ويقوم أشقى القوم بطعنه، في تلك اللحظات العصيبة، يأمر الفاروق بتقديم عبدالرحمن بن عوف للصلاة. ولم تصل مكانة ابن عوف إلى هذا الحد، بل إنه كان من الستة الذين رُشّحوا لخلافة عمر، ومن مناقبه أنه صلى بالمسلمين الفجر في طريقهم إلى غزوة تبوك بحضور النبي عليه الصلاة والسلام.