يعد صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أبر هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأقومها هدياً، وأحسنها حالاً اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، لذلك فإن حبهم سنة والدعاء لهم قربة والاقتداء بهم وسيلة والأخذ بآثارهم فضيلة. ويسلط "تقرير عرض الشخصية" التالي (بروفايل) الضوء على الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، الذي عرف بالحياء والسخاء، وكان من أول الناس الذين صدقوا دعوة نبينا محمد وآمنوا به، بل وأنفق نصف ماله حتى اشترى نفسه من الله. رابع المسلمين كان الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه من الصّحابة السابقين إلى الإيمان بدعوة الإسلام، فقد كان رابع من أسلم من الرجال بعد أن عرضه عليه أبو بكر الصديق الإيمان بالرسالة. وما إن سمع "عثمان" كلام رفيقه أبو بكر حتى شرح الله صدره وسارع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام معلناً إسلامه، وحينما علم عمه الحكم بن أبي العاص ابن أمية بإسلام ابن أخيه غضب غضباً شديداً وقام بحبسه وتقييده حتى يثنيه عن دينه، ولكنه بقي ثابتاً على دينه حتى استيأس منه عمه وتركه بعد أن رأى صلابته في دينه. وكان "عثمان" من أفضل الناس قبل الجاهلية؛ حيث كان الناس يحبونه ويثقون به ويستشيرونه في كل أمورهم، وقد كانت أخلاقه حسنة ولم يسجد لصنم طوال حياته فضلاً عن اجتنابه الموبقات ومن بينها شرب الخمر، وقد كان تاجر ماهراً ذا عقلية تجارية فذة يسافر إلى الشام والحبشة من أجل تجارته. عثمان السَخيُّ وفي الإسلام اكتملت أخلاق عثمان بن عفان رضي الله عنه وتزينت بتاج الدين والشريعة، وقد تميز، بخصلةٍ لم يدركه فيها أحد من الصحابة وهي الكرم والإنفاق في سبيل الله تعالى؛ ففي غزوة تبوك وتسمى بغزوة العسرة حيث قام عثمان بتجهيز ثلث الجيش. وقال النبي عليه الصلاة والسلام عنه: "ما ضر عثمان ما فعل بعد ذلك"، وعندما هاجر المسلمون إلى المدينةالمنورة كانت هناك بئر تسمى بئر معونة يملكها كما قيل يهودي شجع يبيع الناس ماءها فقام عثمان بن عفان بشرائها منه بخمسة وثلاثين ألف درهم وجعلها وقفاً للمسلمين. الصحابي الحَيِيُّ أخبر سعيد بن العاص أن عائشة -رضي اللَّه عنها- وعثمان حدثاه: أن أبا بكر استأذن النبي (صلى اللَّه عليه وسلم) وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة فأذن له وهو كذلك، فقضى إليه حاجته، ثم انصرف، ثم استأذن عمر فأذن له، وهو على تلك الحال، فقضى إليه حاجته، ثم انصرف. ثم استأذن عليه عثمان فجلس وقال لعائشة: (اجمعي عليك ثيابك) فقضى إليه حاجته، ثم انصرف، فقالت عائشة: يا رسول الله لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان، فقال رسول الله: إن عثمان رجل حيي وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال لا يُبلغ إليّ حاجته، ثم قال: "ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة". خلافته واستشهاده بعد وفاة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه تولى الخلافة من بعده عثمان بن عفان فعمل بعمل سلفه واستن سنتهم وإن اختلف في بعض الأمور عنهم مثل سياسته في تعيين الولاة وسياسته في العطاء. ومن أبرز الإنجازات في خلافته استكمال الفتوحات الإسلامية في الأمصار؛ حيث فتحت خراسان وأرمينية وسجستان وأرمينية وقبرص، وأنشئ في عهده أول أسطول بحري إسلامي يحمي الشواطئ الإسلامية من هجمات البيزنطيين، وقد جمع عثمان بن عفان القرآن الكريم على لهجة واحدة وهي لهجة قريش، كما قام بتوسعة المسجد النبوي. حدثت فتنة في أواسط حكمه الذي استمر اثني عشر عاماً؛ حيث كانت نتيجة الفتنة محاصرته في بيته من قبل جماعة من الخارجين ثم استشهاده، وقد توفي رضي الله عنه عن عمر يناهز اثنين وثمانين عاماً في سنة 35 للهجرة.