"الفعالية والكفاءة"، مصطلحان يتم تداولهما كثيراً.. حتى أصبح البعض يعتقد أنهما كلمتان تحملان المعنى نفسه، وفي حقيقة الأمر أن هذين المصطلحين متشابكين لدرجة التجانس أو التضاد السببي، فمن منظور الإدارة العامة، فالكفاءة هي إنتاج المخرجات بأقل إنفاق للموارد، في حين إن الفعالية هي الإنجاز الصحيح للأهداف والغايات، كما أن المنظمات الحكومية ونظراً لارتباط مخرجاتها (الخدمات العامة) بالمجتمع في الغالب، فقد بنيت على أساس الكفاءة، الأمر الذي شكّل تحدياً أمام معظم الحكومات في مختلف دول العالم من أجل محاولة المحافظة على الكفاءة. ولما ذكر أعلاه، فإنه ونظراً للطبيعة المتغيرة للأهداف والغايات المجتمعية، فإنه لا توجد حكومة في العالم حققت أهداف الكفاءة والفعالية داخل مجتمعها، وهذا يتضح في معدلات البطالة في مختلف دول العالم بلا استثناء، حيث لا تزال الحكومات تواجه تحديات لتحقيق نسبة عالية في المواءمة بين الكفاءة والفعالية بصفة عامة، الأمر الذي استدعى المتخصصون في الإدارة العامة، لإعادة النظر في طبيعة الأسلوب الإداري البيروقراطي، وأسهم في تطوير هذا الأسلوب لفكرة خصخصة الخدمات العامة، ومن ثم منتقلاً في الوقت الراهن إلى أسلوب الإدارة الحكومية التشاركية، ومع ذلك، إلا أن هناك بعض الدول استطاعت أن تحقق نسبة إيجابية في مواءمتها في بعض الخدمات، كنسبة الأمية، وبعض الخدمات التنموية، والرعاية المجتمعية الأخرى. إن مواءمة هذان المفهومان في نظام الرعاية الصحية، قد يكون مختلفاً بعض الشيء في النظر إليه، وهذا يعود لأهمية الرعاية الصحية كمتطلب رئيس للإنسان في كل مجتمع حول العالم، ففعالية أنظمة الرعاية الصحية المرتكزة على الإنجاز الناجح للأهداف، بُنيت أساساتها على أن الرعاية الصحية لا تقدم جميعها في الوقت نفسه لجميع أفراد المجتمع، حيث إن الاضطراب الصحي للمجتمع يكون جزئياً، بسبب أن القاعدة الرئيسة للمجتمع هي السلامة، وبهذا بُنيت فعالية معظم الأنظمة الصحية حول العالم، منتجاً سببية في العلاقة ما بين: "الكفاءة والفعالية" في الأنظمة الصحية، حيث إن كفاءة الأنظمة الصحية أصبحت مقيدة بفاعليتها. وما نتج من تأثير لفيروس كورونا "Covid - 19" على الأنظمة الصحية حول العالم، كان تأثيرا على فعاليتها أكثر من كفاءتها من حيث الإنجاز الصحيح للأهداف؛ فسرعة انتشار الفيروس بالمتوالية الهندسية: (1,2,4,8,16,32)، والمقابلة لعددية كفاءة الأنظمة الصحية: (1,2,3,4,5)، فاضطرت منظمة الصحة العالمية لتصنيف انتشار "الفيروس"، ووصفه بأنه "جائحة"، وذلك بسبب تأثيره فعلياً على فعالية الأنظمة الصحية، من حيث تقديم الخدمات الصحية لجميع المحتاجين لها، في ظل عدم التأثر الفعلي للكفاءة، حيث إن نسبة الوفيات بالمقارنة بعدد الإصابات حول العالم، لم تتجاوز 0.058 %، حتى تاريخ إعداد هذا المقال. كما أن غزارة تدفق (المصابين) للأنظمة الصحية، ستُشكِّل تحدياً أمام مرحلة المعالجة، والذي بدوره سيؤثر على طبيعة المخرجات المتوقعة (نسبة التشافي)، ولعل هذا كان واضحاً كمثال واقعي لما حدث في إيطاليا، والذي ألقى بظلاله على الموازنة السببية ما بين "فعالية" و"كفاءة" أنظمة الرعاية الصحية، خصوصاً أن هذا التأثير على هذه الأنظمة، صادر من خارج النظام الصحي نفسه: (بيئته الخارجية)، والذي انعكس على أولويات الإجراءات المتخذة - سواء القانونية أو المجتمعية أو الصحية - والتي تركزت على البيئة الخارجية للأنظمة الصحية، كالتباعد الاجتماعي، وقوانين حظر التجوّل، وممارسات الوقاية من الفيروس المتخذة من معظم دول العالم، والتي سجلت حالات إصابة بهذا الفيروس، وهذا لا يعني أنه لا يوجد تركيز في كفاءة الأنظمة الصحية، ولكنه ليس بأهمية فعاليتها. ورغم الجهود للحد من انتشار هذا "الفيروس"، إلا أن بعض الدول التي تمتلك أنظمة صحية تعتبر ذات كفاءة، ومنها إيطاليا وإسبانيا وأميركا وألمانيا وبريطانيا، قد تأثرت كفاءة أنظمة رعايتها الصحية، مسببة بذلك تأثيراً في فعاليتها، مما أدى لوصول هذه الفعالية إلى مستويات متدنية. وفي المقابل، فإن تعامل المملكة، لمكافحة "الفيروس"، كان تعاملاً نموذجياً من خلال التأثير على البيئة الخارجية للنظام الصحي، وذلك بهدف الحفاظ على مواءمة كفاءة النظام الصحي السعودي وفعاليته، بإصدار قوانين، وإجراءات وقائية واحترازية، وبرامج إرشادية وتوعوية وتثقيفية.