عندما صعق الطبيب كياني بذلك الخبر بعدم قدرة ابني على المشي في ذلك المشفى المشؤوم، أصِبْت بشلل فكري تام، تجمدت دموعي في مُقْلتي. لم تسل دمعة على خدي لتبرد مسامعي من لهيب الخبر.. حاولت أن اتجاهل نفسي لحظة من الزمن لأفيق لليوم القادم فى ربيع ابني الذي هبت عليه العاصفة وأسقطت أوراقه الخضراء.. امتلأ صدري بزفرات تباطأت في طريقها للخروج وانحبست كسجين بين قضبان أضلعي المرتجفة حزناً وألماً. لم تحتمل قدماي جسدي، بحثت عن زاوية قريبة لأرمي بقاياي وأتمالك نفسي.. بحثت عمن يربت على كتفي ويهدئ من روعي وجحيم الحسرات الملتهبة كحمم براكين توشك على الفوران، استعرضت شريط ذكرياته منذ ولادته إلى هذه اللحظة! كيف كان حرصي المتأجج عليه من شكة ألم إلى أن وصل لعمره الضاحك بجمال الاعتزاز، وكم له من أحلام وطموحات لديه كنا نتدارسها معاً في أوقات السمر والحب المشبع بعاطفة الأمومة وبر الأبناء. خشيت أن يغمى على ذاكرتي الحزينة فكانت ترتبك حين يأتي مشهد تلك اللحظات المدمرة لانتعاشة القلب النابض.. سألت روحي: كيف سيبلغ الطبيب ابني بالخبر؟ هل تكون بعبارة صريحة؟ أم يقذفها كما قذفها علي ويهرب؟ هل يحق له أن يعلم الآن أم لاحقاً؟ وكيف سيتقبل الخبر المؤلم؟ كم وكم وكم من تساؤلات دارت بداخلي المظلم تلك اللحظة!! مرت اللحظات بطيئة كأنها عمر تلهبنى بسياطها.. ارتبكت أفكاري وارتسمت أشباح خيالاتى كلما تصاعد إلى عقلى المرتجف وقلبى الباكى ذلك المشهد وذاك السؤال: كيف سيعود معنا إلى بيتنا البعيد؟ ترتسم أمام ناظري رحلة الغربة فى لوحة حزينة أرى فيها صورة النقالة والكرسى المتحرك..!