حسناً لنبدأ من جديد بنكهة من مغامرة، «خليك بالبيت». هذا الخروج الذي يترصدك فيه شرطي من حيث لا تدري، يسأل عن وجهتك، في الأسبوع الأول من الحجر تسعفك الغفلة، تخرج متوقعاً اختفاء المدينة، وتفاجأ بأنها لاتزال قابعة هناك لكنها ساكتة. تستدرجك قدماك نشوى بالمسافة والشمس حتى النهر، هو أيضاً لايزال يجري، لا تصدق. تتجرأ عيناك على بسط الواقع الذي كنت تراه عاماً وراء عام حول بيتك الذي لايزال بيتك الذي تعرفه والذي توحي لك الأخبار بانطباقه فوق رأسك، فاتكة هي الأخبار في هجمات على مدار الساعة تفوق هجمات الكورونا، تتجرأ عيناك على اختراق غمام الأخبار، تنظر لواقعك مجرداً فترى الراكضين والمتنزهين بكلابهم يروحون ويجيؤون على كورنيش السين المواجه لبابك الخلفي، تخترق رسالة ضمنية قلبك، «الأمور عادية. لا تغيير مفزع، العالم يبالغ في مخاوفه». تتذكر فجأة أنك قد أهملت تعبئة التصريح الذي قد يسعفك فيما لو استوقفك شرطي، تشعر بشرطي وراء كل هبة هو، يالهذا التصريح الذي هو بالنهاية تصريح يسخر الكوميديون من كونك تكتبه لذاتك وبكامل الجدية، «أسمح لنفسي بالتجول» والأمر الأدهى كيف تطبع التصريح حين لا تملك آلة طابعة في عصر أغنانا فيه الديجيتال عن الورق المكتوب؟ تخرج مرة وتتجرأ اثنتين مثل طرزان بريء في غابته محصناً بصداقته للضواري. تخرج متسلحاً بشقيقتك تتمشى قليلاً بين الجزيرتين بقلب باريس. ثم لا تلبت أن تفاجئك الأخبار بغلق الكورنيش، وبعدد ال40 ألف شخص مخالف مثلك تم تغريمهم بمبالغ تتضاعف لتبلغ السجن، مخالفون لم يسعفهم حظ الغافل، حظك. تتقاطر عليك نصائح الأهل والأصدقاء من الوطن وخارجه «لا تستهلكوا خزينكم الضئيل، مازال الأسوأ على الطريق، لا نعرف كم ستظل محلات التموين عامرة، دع خزينك الأبيض ليومك الأسود، أو لاستهلاكه فيما لو أطاحت بك الكورونا وأعجزتك عن الخروج». نصائح بلا عدد وتتناقض من نفس الأشخاص الحريصين على سلامتك، المرتجفين بخوف أن يفقدوك: «لا تخرج لكيلا تصادفك الكورونا على الطريق، ولا تستهلك الخزين المحدود بدولاب مطبخك». كيف لا نستهلك ومن أين يأتي التموين؟ ينصحونك: «عليك بخدمات التوصيل السريع». حسناً، لكن من يضمن من سيأتي مع عامل التوصيل، فلربما اندست الكورونا في الحاوية ذاتها بل وفي كل قطعة من طلباتك؟ كفاك وسوسة فالسلع في المتاجر ممسوسة بألف يد ويد، لا تفلح هذه العقلنة للوضع، فما يعمل الآن ليس المنطق وإنما الوسواس الذي يضخم لك يد عامل التوصيل وينقشها بالكورونات. تنصت لكل ذلك وبالأخص لذاتك، تستمر بالتسلل بين الحين والآخر لا حرصاً على الخزين الهزيل وإنما طلباً لمسحة خضرة أو زهو فاكهة تضمها لمائدتك.. هي كما هو واضح خيارات تافهة تأخذ مسحة مصيرية، لاسيما وأنك تخرج بلا سلاح التصريح.