كتاب عبدالعزيز خوجة الذي يتضمن سيرة حياته وتجاربه منذ الطفولة وحتى آخر منصب شغله. من الصعب أن نضع لقباً واحداً لعبدالعزيز خوجة، ومن الصعب معرفة ما العمل الأقرب إلى قلبه وسط كل ما ذكر؟ ربما لأنه أحب كل عمل قام به، ولأن لكل تجربة من هذه التجارب حسها الخاص، وجميعها معاً كونت مجموعة الإنسان عبدالعزيز خوجة. بالرغم من ذلك، يقول: إن لقب الشاعر هو الأقرب إلى قلبه، وأنا أصدقه. لمن رأى عبدالعزيز خوجة عن قرب، حتى لو مرة واحدة، يمكنه أن يشعر على الفور كم هو قريب جداً، لطيف جداً، وروحه خفيفة جداً. رقته في التعامل معك تشعرك بالإنسان الذي بداخله، وتنسيك فوراً أنه معالي الوزير أو السفير، تنسى المنصب ويتبقى أمامك الإنسان عبدالعزيز خوجة. ولهذا، وهو يدون تجربته، تشعر بذات المستوى من التواضع، وإنكار الذات، شعورك بأنه إنسان قبل أن يكون وزيراً أو سفيراً أو أستاذاً جامعياً هو الذي يمنح كتابه هذه الأهمية وهذه الخاصية. اللغة البسيطة، التي تروي أحداثاً كبيرة وخطيرة ومهمة، بشكل سلس، من دون تضخيم ومن دون انفعالات، مسألة شعرت في البداية بغرابتها، لكن هذا هو عبدالعزيز خوجة، هو يقوم بكل هذه الأعمال المهمة، ويتعامل مع أكبر الأسماء التي تخطر على البال في العالم العربي، ويتعرض لمحاولات اغتيال، وحين تقرأ كل ذلك، مروياً بهذه الطريقة الخالية من تمجيد الذات أو حتى تدوين المشاعر في لحظات معينة عصيبة ومليئة بالانفعالات سببه شخصية خوجة البسيطة، الرهيفة، البعيدة عن الإحساس المتضخم بالذات، لأنه لو كتب مشاعره لحظة معرفته بمحاولة الاغتيال مثلاً، وهو الشاعر، فسينقل لنا مباشرة مدى خطورة الموضوع، وهو لا يريد ذلك. لكنك من ومضات خاطفة، تفهم أي شخص هو. منذ الطفولة حين أثبت لأمه أنه «رجال» ضرب أولاداً أكبر منه وهو وحده وهم كثير؛ لأنه كان مطلوباً منه مهمة يجب أن يؤديها، ولأنه لا يقبل أن يتنمر عليه أو يمنعه عن أداء مهمته أحد، لأنه «رجال». وهو فنان، يحب الحياة، ويحب العلم، والجمع بينهما في شخصيته التي جعلته قادراً على التوازن وعلى تسيير الأمور في كل منصب كلف به. هو الذي درس الكيمياء، ودرسّها في الجامعة، وهو الشاعر الذي غنى قصائده كبار المطربين في العالم العربي. سيرة حياة عبدالعزيز خوجة مليئة بالتجارب، وتجربته مليئة بالحياة، وهذا الكتاب اختصار شديد لكل ما مرّ به، لأنه يمكنه بسهولة أن يكتب كتاباً عن كل تجربة منها. كل فصل كتاب غني وغزير بالتجارب. وأنا مازلت مندهشة أن شخصاً بكل هذا الزخم في التجارب، يمكنه أن يقابلك بابتسامة تجعلك تنسى كل المناصب وتتعامل معه على أنه الإنسان.. فقط.