الصين تعد الدولة الأولى في استهلاك البتروكيميائيات، والثانية في طلب النفط الخام، وكلاهما يمثلان مداخيل مهمة للاقتصاد السعودي، والمعروف أن ما يقارب 66 % من الصادرات النفطية السعودية ومشتقاتها تذهب إلى التنين الصيني، ولا خلاف بأن صناعات الطاقة والنقل والمواد الأساسية، بحسب المختصين، كانت ومازالت من أكثر القطاعات المتأثرة بأزمة كورونا، ولكن الصحيح كذلك، أن اقتصاد الصين لا يؤثّر في المملكة وحدها، وإنما يمتد تأثيره إلى كل مكان، لأنه ببساطة يمثّل ثاني أكبر اقتصاد عالمي ومصالحه تتقاطع مع معظم دول العالم، علاوة على أن ما تتجاوز نسبته 80 % من القوة العاملة العالمية، توقفت عن العمل بشكل جزئي أو كلي بسبب انتشار الوباء. الاقتصاد السعودي تعايش مع الأزمة المالية العالمية في سنة 2008، وفي ذلك الوقت تراجعت أسعار برميل النفط بنسبة 72 %، والتراجع الحالي لن يتجاوز في أسوأ الأحوال نسبة 41 %، وبالحساب الاقتصادي كل تراجع في الإنتاج بمقدار مليون برميل في اليوم، يساوي عجزاً في الميزانية بنسبة 2 %، ولا توجد مشكلات في هذا الجانب فالمملكة سعرت وباعت إنتاجها لسنة 2020. نحن نتكلم عن دولة يصنف اقتصادها باعتباره الأضخم في المنطقة العربية والشرق الأوسط، وعن دعم سعودي داخلي للقطاع الخاص والصحي وصلت دفعته الأولى إلى 32 مليار دولار، وهو الخامس في قيمته الإجمالية بعد ألمانيا وأميركا وفرنسا وبريطانيا، والمملكة تعمل على مواجهة التداعيات الاقتصادية لكورونا باحترافية ومهنية عالية، ومن خلال أربع لجان متخصصة، وفي الرؤية السعودية قبل الجائحة، ترحيل 800 ألف وافد لتوطين 450 ألف فرصة وظيفية في السنة الحالية، وربما عجل كورونا باكتمالها في فترة قياسية. في الحقيقة، الدول التي لم تكن جاهزة للتعامل مع صدمات خارجية أصغر في حجمها من كورونا، ليست عربية ولا أفريقية أو حتى فقيرة، فقد صنف النظام الاقتصادي في ألمانيا واليابان وأيطاليا بوصفه الأقل جاهزية والأكثر قابلية للانهيار في مواجهة الفيروس، وربما احتاج العالم الأول إلى خطة إصلاح اقتصادي، بعد كورونا، تقترب في ملامحها من مشروع مارشال، الذي نفذته أميركا وبمليارات الدولارات في أوروبا المدمرة بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت المبادرة الأميركية تستبق استغلال الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشيوعي للموقف، وفي هذه الأيام تعيد التجرية إنتاج نفسها وتواجه أميركا عملاقاً هجيناً، وكأنه فرانكشتاين، يفكر في الاقتصاد بالطريقة الرأسمالية، ويدير السياسة بمفاهيم المدرسة الشيوعية. غالبية دول العالم تأثرت بالتدهور في الصحة العامة، وبالتراجع في أسعار النفط، وبانخفاض الطلب العالمي على السلع والخدمات، وبتراجع العرض والطلب على المستوى المحلي، وأتصور أن السياحة الخارجية، واستقبال الزوار من الخارج سيكونان في آخر طابور عودة الحياة إلى طبيعتها، مع ما يترتب على التأخر من خسائر اقتصادية، وقد ترتفع الأرقام العالمية للعاطلين عن العمل، ومعها حالات الانتحار والجرائم ذات الطبيعة العنيفة كالسطو المسلح، والقتل بدافع السرقة. سيناريو كورونا مفتوح على كل الاحتمالات، ورغم هذا يمكن القول وبثقة تستند إلى توقعات البنك الدولي: إن الاقتصاد السعودي في كامل عافيته ومرونته، والمملكة محصنة ضد آثار الفيروس المربكة، مهما طالت، لإقرارها مجموعة من السياسات الاقتصادية المدروسة قبل وأثناء الأزمة، والتي ستعمل على خفض الانعكاسات السلبية إلى الحد الأدنى بإذن الله.