ما الذي يميّز الأطفال عمّن يتقدم في العمر؟ ما الذي تتفرد به أرواحهم؟ ما الذي يجعلهم دوماً متبسمين؟ لماذا يتجاوزن العثرات خلال لحظات؟ لماذا تستمر قلوبهم مبتهجة؟ بالتأكيد هي قلوبهم البريئة، وتجاربهم العذراء، فهم لا يحملون غلاً ولا حقداً على أحد، يسعدون بما تصل أيدهم إليه، يعقدون الصداقات بسهولة، ويعيشون يومهم بلا أحكام مسبقة ولا تصنيفات، تكاد تكون حياة بلا همٍ ولا غَم، محورها الرئيس: دهشة التجربة والسعادة المتواصلة. المأساة أننا مع تقدمنا في العمر نكاد ننسى أننا كنا أطفالاً يوماً ما، أننا كنا نحب ونسعد بسهولة، نفرح بالبسيط، بل نفرح بأشياء تخصنا وحدنا قد لا تُفرح الآخرين، ويزداد الأمر سوءًا حينما نبدأ نترفع عمّا كان يبهجنا تلك الأيام بسبب تقدم قطار العمر أو نظراً لمكانتنا الاجتماعية أو حتى لمجرد الاعتقاد أن الأطفال هم من يجب أن يفرحوا لتلك الأمور وحدهم! حتى نصل دون أن نشعر إلى مرحلة: "لا شيء يبهجنا ولا يسعدنا" و"لا شيء يثير شغفنا بالبحث والاهتمام"، مجرد أيامٍ تمضي في كبدٍ وشقاء، لا نفرح لا بعيدٍ ولا احتفال! لا نسعد بهدية ولا رحلة استجمام! حتى فيلم الرعب الذي كنا نستمتع به أمسينا نراه سامجاً وسخيفاً! من الرائع أن تعيش المراحل العمرية المختلفة بكافة مباهجها وآلامها، بكافة ظروفها ومحدداتها، لكن الأسوء أن تحمل فوق ظهرك وأنت تترك وراءك الآلام والعثرات فقط، وتغض الطرف عن غيرها كونك فقط كَبُرت بضع سنوات أو عقود! وأن تعتقد أن هذا هو ما يجب عليك فعله، للأسف هذا ما يجعلنا أكثر عرضة لفقدان إحساس الدهشة، وبالطبع البهجة عند ممارسة ما نحب، على عكس من يستمر في ممارسة شيء من طفولته، فغالباً تراه مبتسماً، سعيداً، متفاعلاً مع كل ما يدور من حوله، وبالتالي يكون شخصاً إيجابياً، يطول به العمر ويتمتع بصحة تفوق معظم أقرانه. هناك في علم النفس التحليلي ما يطلق عليه بالطفل الداخلي، أي الجانب الطفولي من تكويننا الإداركي، وهو كل ما رأيناه ولمسناه وتعلمناه أثناء الطفولة وقبل البلوغ، وبالتأكيد لا بد من الحفاظ على الذكريات الجميلة والتجارب المحلولة والأثار الإيجابية من تلك الفترة، عبر استمرار انتقاء تحفيز الذكريات العاطفية المخزنة في اللاوعي، مما يساعد على استمرار نشاط وبهجة الطفل الذي بداخلك، البعض يذهب إلى أقصى من ذلك، إذ يرى أن هذا الطفل الداخلي هو شخصية فرعية لكل إنسان، وأنه من الواجب أن تفرد له مساحة يتحرك فيها، لا أن تقمعه بتقدمك في العمر وتغيّر شخصيتك! هذا الطفل الذي بداخلك هو من يستمر بحمل شعلة شغف الحياة، هو من يسكن قلبك ويمنعه من أن يشيخ مبكراً.. استمع له وأفسح له الطريق.. حتى لا تفقد لذة البهجة والسعادة.