كل من يحدثك من أصقاع العالم قريبها وبعيدها يكرر المقولة نفسها والشعور نفسه بالوقفة. نعم تنظر حولك فترى أن كل ما له علاقة بالمتجسد قد انحبس في هذه الوقفة، كف المتجسد عن الوجود إلا في نطاق الحجر، بينما مسعورة هي حركة العالم الافتراضي، الكل بلا استثناء يواجه شاشة من نوع ما وبحجم ما ابتداء بشاشة الهاتف النقال مرورًا بشاشة الكمبيوتر وانتهاء بشاشة التليفزيون.. وحدث ولا حرج عن حجم المعلومات والرسائل المتداولة على تلك الشاشات، أنها العقول والمخيلات مسلحة بالكلمات والصور المصنوعة تحتل ساحة الواقع لتكون وحدها المعبر الذي تسلكه كل أنواع النشاط البشري، فهناك من يستحضر مكتبه بملفاته ومشروعاته لتلك الشاشة، وهناك من يستحضر أشواقه ليبثها لأحبته المحجور عليهم في جغرافية ما بقارة ما، وهناك من يتفنن في ابتكار مقترحات لتجاوز فترة اللاوجود الجسدي مثل اقتراحات استغلال الحجر في نشاط تأملي أو في تعلم لغة أو ابتكار اجتماعات للدردشة ضمن جماعات الأهل أو الأصدقاء، ولا حصر لاقتراحات أدوات التسلية والألعاب المقترحة لعبور عنق الزجاجة هذا، الذي قد يكون نفقًا بلا نهاية.. لكن المثيرون للدهشة فعلًا هم أولئك المنهمكون في اختراع الفيروسات الإنترنتية سواء من الأخبار الكاذبة التي تخلق الرعب والبلبلة وتخفض المناعة الجسدية والنفسية، أو الفيروسات الكفيلة بإعطاب أجهزة الاتصال ونسف ذلك العالم الافتراضي، ولكأن شلل المتجسد لم يعد كافيًا وإنما هناك رغبة تدميرية كمينة في النفس البشرية تقودها بلا هوادة لنسف كل أشكال الوجود والحركة. نعم تقلص العالم لمساحات البيوت أو مشوار السوبر ماركت أو الصيدلية لما يقارب نصف سكان العالم ما يزيد على الثلاثة مليارات من البشر في حالة انتظار، انتظار ماذا؟ لا أحد يعرف، غالبًا انتظار نهاية الحجر، وربما وبالقليل من التشاؤم انتظار مزيد من تقلبات فيروس الكورونا، أو ربما انتظار مزيد من صراعات الدول على وسائل وأدوات النجاة، الساحة العالمية أقرب لمسرح يعرض مسرحية عبثبة لا يمكن لعقل ولا لمنطق تصور تطوراتها ولا نهايتها، والأدهى أن لا أحد يستطيع – في هذه المرحلة من الصراع مع الكورونا - كيفية الخروج من الحصار، كنا نتخيل أنه سيعلن «غدًا نهاية الحصار» وللحال تعود المقاهي والمطاعم والأسواق والدول تفتح أبوابها، وتعود الطائرات والقطارات والسفن تمخر الأجواء والبراري والبحار، ونستأنف برامج الرحلات التي خططنا لها، وتُستأنف الحياة، لكأنها غفوة وأفقنا منها لنجد العالم الذي عرفناه لا يزال يدور، ما لا يمكن أن نصدقه الآن أننا وحسب رأي المفكر ايكارتوليه «نشهد موت عالم قديم وولادة عالم جديد»، نعم ربما انتهى الحجر الصحي العالمي لكن رجعة العالم للدوران ستستغرق وقتًا وتخطيطًا متأنيًا لضمان ألا يعاود فيروس الكورونا الكرة وبخصائص فتك أكثر تطورًا وفتكًا، بل يذهب البعض من المتفائلين للاعتقاد بأن العالم إن كان سيرجع لدورته، فإن الرجعة ستستغرق ما لا يقل عن العام والنصف. هذا الرأي المتفائل، وهذا ما لم يتم وبمعجزة وتوفيق إلهي رفع البلاء بإلهام البشر باختراع لقاح يوقف هذا العدو غير المنظور. فهل نملك الصبر المطلوب، والأهم هل نملك الوعي المطلوب لفهم مغزى هذه الوقفة؟ والأهم الأهم هل نملك الإيمان الذي سيقود البشرية لقشع هذا البلاء؟