كثيرٌ من الناس يظنون أن جودة الحياة تعني فقط حيازة المال والسكن في أفضل المنازل، واقتناء أفضل السيارات، وتناول أفضل الأطعمة، لكن هناك مظاهر أخرى لجودة الحياة ربما لا ينتبه إليها بعض الناس، فالرضا عن النفس وعن ما نقوم بعمله هو أفضل مظهر من مظاهر جودة الحياة، والشعور بأننا متصلون بشكلٍ جيد وصحيح مع المجتمع ومكوناته بحيث يعبّر أيضاً عن جودة الحياة. وتعد العوامل النفسية مفقودة لدى البعض عندما يقومون بتقييم جودة حياتهم، فلا قيمة للمادة في ظل حياة تؤرقها مظاهر التعاسة وخيبة الأمل، فكم من فقير يبتسم كل يوم، وكم من ثري لا يعرف طريقاً إلى الابتسامة، فأيهما حياته أجود؟ وجودة الحياة ليست فقط تلك السعادة النفسية التي يجب أن يمتلكها الفرد ليكون محققاً لجودة الحياة، فالحياة بلا هدف ليست جيدة، والأهداف في الحياة هي التي تصنع للحياة قيمتها، وليس ما نمتلك هو الذي يصنع تلك القيمة، فامتلاك الأشياء هو وسيلة للوصول إلى قيمة أفضل للحياة إذا ما استخدمنا تلك الممتلكات بشكلٍ صحيح، فلا يمكن تحقيق جودة الحياة من خلال امتلاك الكثير من الأشياء التي لا نقوم بتوظيفها في خدمة أهدافنا السامية في الحياة. وبما أن الممتلكات هي وسيلة للانتقال من حياة قد تكون جيدة إلى حياة أكثر جودة، فهنا تصبح الأهداف الاستراتيجية على المستويين الفردي والجماعي من منظورنا الخاص هي الغاية التي ننشدها لتحقيق تلك الجودة، فكل فردٍ فينا خلق لحمل رسالة ما، فبعضنا خلق لحمل رسالة مساعدة أفراد المجتمع بالعمل الخيري، وبعضنا خلق لحمل رسالة التدريس، وبعضنا خلق لحمل رسالة طبابة المرضى، وهكذا فنحن الذين نصنع جودة الحياة من خلال توجهاتنا نحو المجتمع، وهو الذي بدوره ومن خلال ما نقدمه له يقوم بمكافئتنا على إنجازاتنا من خلال منحنا الشعور بأن الحياة جيدة أو أكثر من جيدة. وبما أن الفرد لا يستطيع أن يعيش وحيداً من دون أن يكون جزءاً من نسيج المجتمع، فإن جودة الحياة ليست شيئاً يولد معنا، وليست منحةً يمنحنا إياها والد ثري، أو قريب غني، فهؤلاء قد يمنحوننا الأدوات التي ننطلق منها لتحسين جودة الحياة، ولهذا ستبقى جودة الحياة في ذهن الواعين المدركين لأدبياتها مطلباً وضرورةً ملحّة لا يمكنهم إغفال قيمتها، وسيسعون دوماً لبلوغ بعض أو كل غاياتها، فالحياة من دون جودة هي حياة الذين يعيشون ويموتون وهم لم يكتشفوا يوماً لَمَ وجدوا على هذه الأرض؟.