بالأمس، أعلنت الميزانية كأضخم ميزانية تمر على البلد على الإطلاق، وقبل إعلانها كانت البشائر تسبقها، فمرتادو المواقع الإلكترونية ووسائل الاتصال الاجتماعي بذروا تفاؤلهم، وأخذوا ينتظرون يوم الإعلان لتتويج أحلام طالما نثروها في صدورهم وعلى مسامع بعضهم البعض، فعلى مدى أسبوعين ماضيين تناثرت البشائر بزيادة الرواتب، وعودة مكافآت حافز لمن حرم منها، وتحمل الدولة للديون المتوسطة عن المواطنين، وزيادة الضمان الاجتماعي للمستحقين.. وجد المبشرون بإضافة عشرات البشائر، كمنح مساكن لمن لا مسكن له، وتوظيف من لا يعمل، وإقرار التأمين الطبي لموظفي الدولة.. كثيرة هي الأماني، إلا أن أمنية واحدة تقف أمامها حسابات لا تنتهي. وكان كل مبشر ببشارة يتلمس احتياجاته أو احتياجات الفئات التي يسمع أو يعيش معها، وفي نفس الوقت هي إشارة للطموحات التي يبحث عنها البعض، وقد يكون في نثر هذه البشائر معلومة تساعد صانع القرار في التعرف على تلك الطموحات والآمال، وهو الجانب الإيجابي في هذا. إلا أن المؤشرات المصاحبة لإعلان الميزانية أن الفائض سوف يذهب لإنشاء شبكة المواصلات، والمتبقي سيدخل إلى صندوق الاحتياط. ولو أردنا مسايرة البشائر التي سبقت الميزانية ونقرأها قراءة مجتمعية، فسنجد مجموعة إشارات توصلنا إلى العادات والسلوكيات التي تغلغلت في المجتمع حتى غدت سمة من سماتنا، قد يكون أبرزها الترقب، وهذا الترقب يغفل مستويات إدارية متعددة في اتخاذ القرار وأثره على الحياة الاجتماعية والاقتصادية. وإبقاء هذا الترقب لدى المجتمع يعطي إشارة أخرى إلى أن ثمة شعورا بعدم الرضى الكامل، كون آليات السوق لم تستطع خلق التنافسية بين الأفراد ودفعهم لامتلاك الخبرات والمهارات التي يتم تقيمها ماديا، وهذا ما تشير إليه بعض الدراسات من افتقار المهارات لدى الباحثين عن التميز في الدخل أو في المنصب. وإلحاقا على الشعور بعدم الرضى الافتراق الحاد بين ما يتم غمره من أموال للوزارات لإنجاز مشاريع معلنة وبين تعثرها أو عدم تنفيذها، وبخاصة المشاريع المعنية بحالات المواطنين الخاصة (كالسكن، وتوفير الوظائف، والتدريب... إلخ)، فيغدو الإحساس بعدم الرضى مشجبا للفرد، ومعه يتم إهمال التنمية الذاتية، ويجعل ترقب القادم هو الخيار المتبقى لخروج الفرد من حالته المتأرجحة. وإذا كان موعد إعلان الميزانية هو الموعد المضروب لتحقيق أمنيات المواطنين، فليكن ذلك، وأقصد ب(ليكن ذلك) بأن تبادر الجهات المعنية كل وفق اختصاصها بحمل تلك الأمنيات والعمل على تحقيقها من خلال سياسات مشجعة للعمل وإكساب الفرد المهارات التي تحقق أحلامه، فتجاهلها يبقي المجتمع مجتمعا مترقبا من غير مبادرة لامتلاك المهارة المحققة لكل الأحلام.. وقد تكون أهم نقطة في تشجيع هذا الحلم أن تنجح الوزارات في تحقيق طفرة نوعية في تحقيق أهدافها؛ لكي ينعكس ذلك على الفرد، أما أن تظل تعلن عن أهداف براقة وتعجز عن تحقيقها، فهي تصيب المجتمع في مقتل، حيث تحول الفرد إلى حالم لا يمتلك شيئا في مواجهة حياة باهظة المعيشة. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 159 مسافة ثم الرسالة [email protected]