اهتمت الأبحاث والدراسات التربوية والنفسية والفنية الحديثة بالفروق الفردية، وثبت من خلالها أن البشر مختلفون في طبيعتهم وإحساسهم ونشاطهم وقدراتهم واستعداداتهم وميولهم مهما تساوت أعمارهم ومعدلات ذكائهم، فإذا تساوى العمر الزمني لا تتساوى انفعالاتهم وقدراتهم العامة والفنية ولو طلبنا من متعلمي الصف الواحد المتساوين عمرياً أن يعبروا عن موضوع العيد مثلاً وكانت خاماتهم موحدة لوجدنا أن نتاجاتهم وتعبيراتهم الفنية مختلفة فلكل فرد طريقته الخاصة في تعبيره وفي معالجته للخامة ولكل منهم انفعالاته وأسلوبه التعبيري وتصوراته وخيالاته وذاكرته البصرية الخاصة واهتماماته الشكلية وتفضيلاته اللونية وأساليبه التكوينية والتصميمية وطرقه التنفيذية، وهذه دلالة للفروق الفردية بين المتعلمين. ويتبع ذلك أن على معلم أو مدرّب الفنون ألاّ يعامل المتعلمين والمتدربين في المجموعة الواحدة معاملة واحدة وبأسلوب واحد، بل يجب أن يتعامل معهم بمرونة لتتاح لكل منهم فرصة العمل والاستفادة، ويجب أن تكون الموضوعات والخامات مناسبة للمتوسط العام، وألاّ يكون أسلوبه الفني ثابتاً وطريقته التدريسية التدريبية موحدة، بل يجب أن تتماشى مع ميول المتعلمين، وتتناسب مع قدراتهم تبعاً لما بينهم من فروق فردية. ولا بد من دراسة خصائص التعبير الفني لدى كل مرحلة من المراحل العمرية، وتعتبر أساسا لعملنا في مجال تعليم الفنون بصفة عامة، حتى نرى أن هناك من يزيد في عمره الفني على عمره الزمني (الموهوب) ونتعرف على من عمره الفني أقل من عمره الزمني (المتخلف) ونتعرف على العاديين والأسوياء، ويبقى أن تكون مهمة الفنان المعلم الأساسية هي أن يساعد كل متعلم حسب قدراته وميوله ليصل إلى مستوى أعلى، وزيادة قدرته على فهم وتقدير وتفسير أعمال الأفراد تقديراً يتمشى مع قدرة كل منهم، ومعاملة كل منهم بأسلوب يناسبه، ومعالجة كل حالة حسب ظروفها، وبذلك يتحقق لكل فرد نمو شخصيته وفرديته أيضا، وعلى معلم الفن أيضا احترام عمل المتعلم والاعتراف بذاتيته وتقدير أعماله، وعلاج أخطائه دون هدم شخصيته، فذلك يساعد كثيراً على نمو تعبيره الفني نمواً طبيعياً سليماً. والتعبير الفني للأفراد يمتاز بأنماط مختلفة حتى مع اختلاف وسائطهم التعبيرية المتعددة سواء كان ذلك في الرسم أو التصوير أو النحت أو أشغال الخشب والمعادن والخزف... اإلخ وغير ذلك من الأعمال والأشكال الفنية، ونذكر فيما يلي بعض هذه الفروق والأنماط في التعبير الفني والتي تحتوي الصفات التالية:- 1- شخص يهتم في تعبيره بالطبيعة والواقع، لاعتماده على خبرته البصرية ويحاول التمسك بما يراه في الطبيعة من حقائق وتفاصيل ومميزات ويُعرّف هذا النمط (بالبصري). 2- شخص يظهر إحساسه وانفعالاته الذاتية في تعبيره الفني ويصطبغ إنتاجه الفني بذاتيته ويعرف هذا النمط (بالذاتي). 3- شخص يهتم بالخطوط والمساحات والأشكال وتوافق الألوان وعلاقة كل جزء بالآخر ليحصل على قيم جمالية في قالب جديد يحمل قيماً خطية ولونية وعلاقات شكلية تبعاً لوجهة نظره ويعرف هذا بالنمط (الزخرفي). 4- شخص يؤكد الأثر الزمني للضوء على الأشياء في تعبيره الفني ولا يحاول تغييره ويتوقف عن الإنتاج والعمل والتعبير إلى أن يعود الأثر أو الحركة أو الظل والنور إلى ما كان عليه. وذلك لاهتمامه بالأثر الوقتي ويعرف هذا النمط (بالتأثيري). 5- شخص تمتاز أعماله بالرقة في الموضوعات العاطفية وفي الخطوط أو الألوان، كما تمتاز أعماله بالدقة الطبيعية ويغلب عليها الجانب الشاعري ويعرف هذا النمط (بالشاعري). كما يوجد أنماط أخرى للتعبير الفني لدى الأفراد من أبرزها النمط الكلاسيكي والواقعي التجريدي والتركيبي والبنائي والهندسي والسريالي الخيالي والرمزي والتعبيري والشعبي والكتابي الحروفي والمفاهيمي وغيرها من أنماط التعبير البصري المتنوعة، ولكن المهم أنه يجب على معلم الفنون أن يساعد كل فرد حسب اتجاهه ونمطه ويقدم ما يناسبه من معلومات ومهارات وخبرات فنية تتمشى مع هذا النمط الخاص، فينوع من خاماته وموضوعاته فلا يستعمل خامة مدة طويلة سواء أكانت هذه الخامة الألوان أو أقلام الرصاص أو الصلصال أو الخشب أو الفلين أو المعادن أو... إلخ من خامات ومواد؛ لأن ذلك يجعل المتعلم يمل الخامة ويكرهها فلا يُقبل عليها، كما أن تكرار الموضوع الواحد في الصف أو الورشة الواحدة فيه تكرار للانفعالات وهذا يضعف الإثارة والدافعية والنشاط الابتكاري والإقبال على العمل والتعبير الفني، أيضاً على الفنان المعلم ألّا يفرض أفكاره وأسلوبه الخاص مع المتعلم أثناء إنتاج العمل الفني. لوحة: عازف الغيتار لبابلو بيكاسو عصام عسيري لوحة: عازف الجيتار ل إدوارد مانيه لوحة: الأمل ل جورج فريدريك واتس، 1886