كما فجّرت أزمة جائحة كورونا كثيرًا من القضايا دوليًا، وكشفت عن جوانب قصور وعيوب، فجّرت كذلك - داخل المملكة - قضيةً لطالما نبّه إليها المختصّون قبل أن يؤدي كورونا إلى استفحال آثارها، وإلى اتخاذ بعض الإجراءات بشأنها. ظاهرة مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي ليست وليدة اليوم لدى المجتمع السعودي، ولطالما ارتبط المشاهير في أذهان أفراد المجتمع بمحتوى الإعلانات التسويقية المدفوعة، مع نزر قليل من المحتوى غير التسويقي. كما أن استعانة جهاتٍ حكومية ببعض هؤلاء المشاهير لتغطية حدث أو خدمة أو لإيصال رسالة معينة، ليست جديدة كذلك، رغم ما تؤدي إليه من إضعافٍ وتهميشٍ لوسائل الإعلام الرسمية بقنواتها الفضائية والرقمية، التي لطالما تساءلنا عن سرّ خفوت دورها، خاصة في الأزمات التي ينتظر الجميع أن تكون مصدرَ الخبر فيها! فضلًا عن تهميش دور المختصّين في الإعلام، الذين أفنوا جزءًا كبيرًا من حياتهم في قاعات الدراسة الأكاديمية وساحات الخبرة الميدانية. إذن.. جاءت أزمة كورونا بما انطوت عليه من مخاطر التفشي والانتشار، وما رافقها من إجراءات حكومية وقائية متسارعة، لِتُعيد بحث علاقة مشاهير التواصل الاجتماعي بتغطية الحملات الوقائية، والخدمات الحكومية المرتبطة، ومدى احترافية هذه التغطيات إعلاميًا، والظهور بالصورة المنسجمة مع المحتوى التوجيهي والإرشادي خلال التغطية. لكنّ تكرار الأخطاء الفادحة في التغطيات المرتبطة بأزمة كورونا، والمتعلّقة باستهتار بعض المشاهير إزاء طرق الوقاية من تلقّي العدوى أو نقلها، فضلًا عن طغيان الاستعراض والتباهي بمرافقة فِرق الجهات المختصة، وبالحظوة التي يتمتّعون بها، على الهدف التوعوي أو الإرشادي من هذه المرافقة، عجّل استفزاز كثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ودفعهم للمطالبة بوقف الاستعانة بهؤلاء المشاهير، الذين تُفتَّح أمامهم أبوابُ الجهات المختلفة بكلّ يُسر، في الوقت الذي يُطالَب فيه الإعلاميون بالموافقات والتراخيص، ويُواجَهون بالإجراءات البيروقراطية. وإن كان من إيجابية لهذه الأزمة، فلأنها أعادت الثقة بالإعلاميين المحترفين، الذين تُعدّ التغطيات ونقل الأحداث من صلب اختصاصهم المهني، وإلى هذا يشير استطلاع للرأي أجراه حساب (هاشتاق السعودية) على تويتر، وأظهر حتى منتصف ليلة الخميس، ثقةً بدورهم تبلغ 57 %، بينما لم يَحْظ المشاهير إلا بثقة 12 % من المشاركين، وهي نسبة تشير إلى تهاوي أسهم المشاهير في نفوس الناس، التي ستؤدّي - بالضرورة - إلى تهاوي القيمة الشرائية الباهظة لتغطياتهم المدفوعة، والتي لا يَعرف أحدٌ تحت أي بندٍ تنظيمي تُصرف لهم! لعلّ هذه الأزمة تدفع وزارة الإعلام والجهات المعنية إلى تقنين حضور المشاهير مجتمعيًا، لا سيما في التغطيات المتعلقة بالجهات الحكومية، لتقتصر على وسائل الإعلام الرسمية، وتضمن وصول الرسائل الإعلامية بصورة مهنية، وتعزّز حضور هذه الوسائل في المجتمع السعودي، لتصبح - بالفعل - المصدرَ الأول لتلقّي الأخبار وتغطية الأحداث المحلية، ولتُبرِز نجومًا من كوادرها الإعلامية المؤهلة، بعيدًا عن الفوضوية والمحتوى المسوَّق - عالي التكلفة - الذي يقدّمه بعض المشاهير.