تفيض منصّات التواصل الاجتماعي بالأصوات والتعليقات وعبارات التخويف والتهويل من كورونا الجديد (كوفيد-19). وفي المقابل هناك موجة معاكسة تحمل معها عبارات التهوين والاستخفاف به. والعجيب أن أوقات الأزمات تظهر لنا من يتجرأ على التخصصات والخبرات المعتبرة، والأدهى من ذلك حينما يرى هؤلاء المتسلقون أنهم على حقّ! وهذا أدى إلى أزمة أخرى من نوع مختلف؛ وهي انتشار الشائعات وتداولها. بل تعدى الأمر إلى ارتداء جلباب الأطباء والمتخصصين في الأوبئة والفايروسات، وصاروا يدلون بتجاربهم الشخصية، ويصفون الأدوية الشعبية، وحدّث ولا حرج.! الأطباء والمتخصصون "الحقيقيون" مشغولون بمكافحة هذه الجائحة العالمية، وإيجاد العلاج واللقاح الناجع، إضافة إلى جهودهم في تثقيف المجتمع وتوعيته. فهم يعملون ليل نهار من أجلي أنا وأنت؛ من أجل الإنسان والإنسانية. بل تناقلت المواقع وحسابات التواصل الاجتماعي صورًا لأطباء وكوادر يعملون في المستشفيات -من كل دول العالم تقريبًا- وهم يتوسلون ويناشدون أفراد مجتمعاتهم بضرورة البقاء في المنزل من أجل صحة الجميع. ورد الجميل لهم -ولو بعضه- يكون بالاستماع إليهم والتقيد بإرشاداتهم، وأيضاً بالابتعاد عن متعاطي الشائعات ومروجيها ومدمنيها. نعم، مدمنيها وللأسف! فللشائعات أناس يعيشون عليها ومنها، يستحيل عليك إقناعهم بأنها ليست من مصادر موثوقة. لكن الأمل موجود، وقد قيل "لا تنظر إلى النصف الفارغ من الكأس، وانظر إلى النصف المملوء منه"، فهذه الأزمة فرصة لزيادة الوعي باحترام الحقيقة. وإذا أردت أن تعمل خيرًا هذه الأيام، فحارب الشائعة قدر استطاعتك؛ باليد، أو باللسان، أو حتى بقلبك. والمسؤولية الفردية هذه الأيام هي محلّ اختبار للفرد والمجتمع، عسى أن يكونوا كالبنيان الواحد، يدًا بيد في الالتزام بالأوامر والتعليمات، ومتابعة الأخبار من مصادرها الموثوقة، خصوصاً أن حكومتنا السعودية -أيّدها الله- ضربت أروع الأمثلة في إدارة هذه الأزمة، وحصدت على إثر ذلك الثناء والاحترام من كل دول العالم بمختلف أطيافه، حينما استجابت لمخاطر انتقال هذا الفايروس، واتخذت كافة التدابير الوقائية والعلاجية، بتعليق الدراسة، ووقف صلاة الجمعة والجماعة، واستخدام التقنية لاستمرار التعليم والأعمال الحكومية والخاصة عن بعد. لا شكّ أن هذه الأزمة خطيرة وتشكل اختبارًا مفاجئًا لهذا الإنسان الذي بلغ من العلم والعدة والعتاد شيئًا لا يستهان به، بيدَ أنه وقف حائرًا أمام غموض هذا الفايروس الجديد وجبروته، ولكن لولا التحديات ما تقدم الإنسان خطوة واحدة، ولا طوّر وبنى هذه الأرض؛ فالأزمة أمّ الاختراع. وها نحن نشاهد العالم الآن يعيد بناء نفسه وترتيب أوراقه وأولوياته، لكبح ضراوة هذا الفايروس في ظل ظروف خانقة ألقت بظلالها على كل مناحي الحياة، إذ لم يقف ضرره على انتزاع أرواح البشر فحسب، بل تعدى ذلك إلى ضرب الاقتصاد والبنى التحتية للدول والمجتمعات. إنما المهم هذه الفترة هو الالتزام بالبقاء في البيوت، والابتعاد عن التجمعات، وقطع دابر الشائعات.. حمى الله الوطن وبارك في الجهود!