تلك الآراء الصارخة في وجه العقل الجمعي؛ والمشاكسة لما تعوده الناس - وليس بالضرورة أن يكون هذا التعود من المسلمات الاجتماعية التي لا تقبل المساس -؛ هذه الآراء تغدو مثاراً للجدل والتشابك المثير الذي يحيل الساحة إلى فوضى معرفية.. كل يأخذ منها بطرف لينافح هذا عن رأيه ويتترس هذا ضد ما يراه «القادم من المجهول» كما يعتقد، ليشكلان لوحة واجمة تزدري الآخر وتقلل من قيمة إبداعه وحقه في التفكر والتفكير. الكاتب شايع الوقيان ليس ببعيد عن هذا الصخب بآراء ليس آخرها ما نشره على حسابه في مدونة التواصل الاجتماعي «تويتر» في تغريدة قال فيها: «حب القصص والروايات سمة بدائية.. وكل الجهلاء والأغمار يلجؤون للحكايات وليس للبراهين.. ما فائدة أن تقول لي حكمة تحتاج «3 جمل» في 500 صفحة؟! يا له من وقت مهدر! لو لاحظنا فإن الأكثر غباء هو الأكثر لجوءاً للثرثرة والسرد!». هي تغريدة في نظر الكثير لا تحمل من التغريد إلا اسمها؛ هم يرونها إقصائية حيكت بلغة استعلائية لم يكتفِ فيها بتقذيع ممارسي الشغف الروائي ووصفهم بالجهلاء والاغمار، بل يندرج وصفه أيضاً على القراء باعتبار شراكة التلقي. هنا لا بد من النظر إلى الآداب جميعها بأنها بنات أفكار تستخلص من منابت الأراض الخصبة يستلها الكتاب من خمائر عقولهم متوجينها بخيالات وجدانهم الشاعرية ليقدموا وجبة أدبية على مائدة ما لذ وطاب من سحر البيان. لا يعامل الأدب بلغة الأرقام والبراهين وإن حملت على هذا المحمل فلربما قصة أو قصيدة أو رواية تغوص في أعماقنا لتحدث التغيير عكس جملة من ثلاث كلمات كما يقول الوقيان - وإن كانت معبرة ومكثفة - تدفع بالبرهان دون توطئة وتصدع بالمعلومة دون تهيئة، فلا يكاد يلمس أثرها على الناس، ولربما تكون منفرة. الأهم هي الإضافة إن قل الكلام أو كثر رغم أن «الإعجاز في الإيجاز» ولكن هذا لا ينطبق على كل الفنون فلكل فن أدواته وهيكله وبناءه وليس من المنطق أن يقتضب العربي القصيدة في بيتين بدواعي أن الإطالة ثرثرة كما يراها الوقيان. وبرغم أن هذين البيتين قد تفي بالغرض إلا أن الشعر له بناء لا يتغير من زمان لآخر، والاعتراض على هذا البناء هو نسف لماهيته ورموزه وتجني على التاريخ. الدكتور عبدالسلام الوابل قعد للرواية في رد على تغريدة الوقيان وقال: «تاريخياً، ارتبطت الرواية بتطور مجتمعي. فهي لم تظهر إلا مع أفول عصر الإقطاع وانبثاق الرأسمالية بترتيباتها المغايرة للمجتمع. لذا اعتبر لوكاتش أن «الرواية ملحمة البرجوازية»، أي الجنس الأدبي الذي خلف جنس الملاحم، المرتبط بالنبلاء والفرسان». إلا أن الوقيان اعتبره خاضعاً لأساطير جورج لوكاتش وأكمل: «القصص والغناء الشعري آلات البشر مذ عقلوا .. كلامي للمبتدئين في القراءة». ليسقيه الوايل من ذات الكأس حين علق متعجباً: «القصص والشعر غير الرواية! يبدو أنك قصدت ب «الرواية» القص الشفاهي وليس الجنس الأدبي المعروف ب «الرواية». لينتهي الحوار عند هذا الحد. ويستأنف الوقيان آراءه العنيفة بأسلوب تهكمي ولغة غير رصينة في تغريدة موجهة للقراء: «احذر من كتب (المغمغة)..أي كتب اللف والدوران ابحث عن الكتب التي تعطيك الفكرة مباشرة وتصدح بها دون مجاملة أو بلاغة أو تطويل، ككتب العلم والفلسفة والنظر والأخلاق والسياسة». مواصلاً تهجمه على كتاب السرد: «الوظيفة الوحيدة للقصاص والحكواتية اليوم هي تزويد أهل السيمنا بحبكة جيدة.. شهوة الكلام والثرثرة هي أمراض لا يمكن أن تصيب العقلاء». البلاغة في نظر الوقيان مغمغة والسارد حكواتي وحسن الملافظ ثرثرة وتلقيها جنون!!! ختاماً: ليس كل رأي «شائع» مأخوذ به، فهناك من «يتقيه» بالحجة والبرهان. الوقيان: الرواية ثرثرة كتبت للأغمار الوايل يرد: لا تفرق بين الرواية والقص