في معيشتنا نحن «البشر» نجد كثيرًا من الأشياء تحتاج إلى تنظيم وترتيب خارج إطار «الفقه» بمفهومه الكلاسيكي، وإنما يحتاج المنظمون والمرتبون لشؤون الحياة واعظًا متجاوبًا في النفوس.. لا يحتاج المسلم في كثير من الأحيان إلى مُرشدٍ خارجي ينهاه ويزجره عن الخطأ ويحثه على فعل الصواب، فكثير من الأشياء قد جعل الله للمسلم في قلبه نورًا يحكم به عليها ويصنفها بحسب موقعها من الحلال والحرام، وفي حديث طويل ضرب فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثلاً للإسلام كطريق يكتنفه سوران فيهما أبواب مفتحة عليها ستور مرخاة، وفي باب الطريق داع يدعو الناس إلى سلوك الطريق، وداع في آخر الطريق، وكلما أراد السالك أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب قال له الداعي في جوف الطريق "ويحك لا تفتحه، إنك إن تفتحه تلجه"، ثم فسر رسول الله صلى الله عليه وآله المثال فقال: "فالصراط الإسلام، والداعي في باب الصراط كتاب الله، والأبواب المفتحة محارم الله، والداعي في جوف الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم"، فهذا الواعظ هو أساس مبنى الثقافات، فعليه يعتمد المخاطب في إيصال المعلومة، وبه تكتمل معيشة الناس بتفهم كل ما يجب عليه تجاه الآخرين؛ لأنه من المستحيل أن تخاطب الأدلة الشرعية كل أحد بمفرده، أو تساق الأحكام لكل حالة فرد بخصوصه، وهناك من الأشياء التي لا تحتاج إلا تفهم الفرد وتقبلها والعمل بموجبها، وهو ما قد جعله الله آية في كثير من مخلوقاته وفي التنزيل «الذي أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى»، فهداية المعيشة غير هداية الدين والعقيدة، وفي سورة النحل «وأوحى ربك إلى النحل» وهذا الوحي ليس كالذي في قوله «وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا» فذاك وحي المعيشة والحياة وهذا وحي الدين والتكاليف. وفي معيشتنا نحن "البشر" نجد كثيرًا من الأشياء تحتاج إلى تنظيم وترتيب خارج إطار "الفقه" بمفهومه الكلاسيكي، وإنما يحتاج المنظمون والمرتبون لشؤون الحياة واعظًا متجاوبًا في النفوس، وهو ذلك الواعظ الذي جعله الله في قلب كل مسلم، وقد رأينا في هذه الأزمة العابرة إن شاء الله "أزمة كورونا" رأينا تجاوب كثير من الناس وتفهمها في التعامل الوقائي، ما يجعلنا نستبشر بمجتمع متشبع بثقافة الفعل الجماعي، وحريص على سكينة الحياة العامة وخلوها من أي شائب وعارض، ولكن قد نجد كثيرًا من النفوس تتساءل وربما تتردد في مشاركة المجتمع في توجهه، وذلك ربما لضعف ذلك "الواعظ الرباني في نفسه"، وظنه أنه أخذ بالأفضل والعزيمة، فمثلاً حين منعت التجمعات وحُدّ من الجماعات في المساجد، رأينا وسمعنا من يكتب أو يغرد بما يخالف هذا الفعل، وإن كان هذا من قلة، إلا أننا نجد أنفسنا بحاجة لتفسير أي فعل ترتبط به مصلحة المجتمع، وهنا نجد لنا في كتاب الله «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» منطلقًا ننطلق منه لنرد كل مشورة لأهلها، فكما أننا في الفقه والدين نسأل الفقهاء والعلماء، فمن غير المنطق أن نسألهم فيما لا يحسنونه. من طبّ، أو أي علم آخر، ولا يخفى على أحد قول نبينا لبعض أصحابه (أنتم أعلم بأمور دنياكم) حين أمرهم ألا يلقحوا النخل فلم تثمر فقال لهم ذلك، ولعل الأمر قريب بل مماثل، فمنع الجماعات في المساجد وقاية وحرصًا لعدم انتشار المرض هو من علم الدنيا، الذي يعتمد فيه الفقيه على قول الأطباء والمختصين، ولعل ذلك المنع وتفاعل الناس مع الأمر، وترك التجمعات والأخذ بأسباب الوقاية يرسل رسالة إلى الآخرين أن المسلمين قد تخطوا غيرهم في هذا الأمر، فإن كانت بعض الدول قد امتثلت شعوبها "للحجر" فقد حصل فيها بعض الثغرات والأخطاء، وتوغل الخوف في الجميع إلا أننا في المملكة نجد الدولة حاضرة في الوعظ والإرشاد وتوزيع كل ما يلزم للمواطن، وتسهيل إيصال حاجته إلى مكان وجوده، وبذلك سنكون - إن شاء الله - قد فعلنا الأسباب المشروعة، ونحن على ثقة بالله أن الأمر سيكون أيسر علينا وسيمر بسلام. « فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين». هذا، والله من وراء القصد.