تُبتلى البشرية بين فترة وأخرى بآفات وأوبئة وأمراض تتطلب من جميع المجتمعات والحكومات التعاون الدولي المتضامن بحركة شعبية أهلية أسرية فردية، في الدول أو المدن التي انتشر فيها المرض، بالسعي لحصر الوباء في أقل عدد من المرضى ومكافحة العدوى، وحصره في مناطق جغرافية ضيقة جداً. وهنا تقوم في المجتمع روح حيوية سواء في الحكومة ممثلة في وزارة الصحة إدارة التوعية والتثقيف الصحي، وكذلك تسهم وزارة التعليم في تنشئة الأجيال على التربية والعلوم الصحية في مناخ تربوي صحي سليم، كما يوازيها ويسايرها تحرّكات ومساهمات من منظمات المجتمع المدني المعنية بصحة المواطن المجتمع. هنا يبرز دور كبير للفن والتصميم، ودور أكبر للإبداع في التخطيط لحملات إعلانية إعلامية تثقيفية توعوية من شأنها تغيير أو زرع سلوك معيّن عند الأفراد، وبكل الوسائل المرئية الممكنة سواء إعلان مطبوع أو على شاشات في داخل المباني أو خارجها. وفيها يقوم الفنان والمصمم بدوره ووظيفته الاجتماعية والإنسانية، التي تجعله يخاطب أخوه الإنسان برسالة طبية تتعلق بصحته وسلامته وعافيته وأسرته وأهله وأمان مدينته، ولقد سمعنا وعشنا طيلة حياتنا حملات تثقيف صحي عديدة، لكن لا نتابع آثارها ولا نتابع قياس نجاح تلك الحملات الإعلانية، ولعل على رأسها وأهمها حملات إعلان نظافة الفم وغسل الأسنان، نشاهد عشرات الإعلانات ولا نعرف نتيجة تلك الحملات على نظافة وسلامة الأسنان عند العامة. عموماً، تم الاعتراف بدور الفن صحياً وتأثيره على الصحة العامة كعلاج في عام 1991م، وأصبحت هناك ممارسات للعلاج بالفن تحت إشراف طبي عالمياً، وفي عام 2011 أعلنت الجمعية الطبية البريطانية ورقة حول الاحتياجات النفسية والاجتماعية للمرضى، للقضاء على الملل القاتل للمرضى أثناء وبعد العلاج. وتم رصد تأثير إيجابي للفنون في الصحة النفسية والاجتماعية والفسيولوجية للمرضى، وهذه الفنون هي (الموسيقى والإنشاد الفردي والجماعي، الدراما وفنون الجسد والأداء الفردي والجماعي، الفنون البصرية، والكتابة الأدبية الإبداعية) كممارسات وطقوس شفائية. وفي 2012 حدثت تطورات هائلة لعلاقة الفن بالصحة العامة في أميركا، لكن مبدئياً أود أن أنوّه عن بعض الفوائد التي استنتجتها البحوث والدراسات التجريبية والسريرية عن تأثير الفنون في الصحة العامة ونوضح علاقة الفن بالطب: عند ممارسة أنشطة الفنون البصرية المختلفة كالرسم والتصوير والخزف والخشب والمعادن والنسيج والطباعة والزخرفة والتصميم والتصوير وو..الخ، وجدت الدراسات تحسن واضح للمزاج العام للمريض، وتحسّن التوافق العاطفي، وانخفاض معدلات القلق والشعور بالإجهاد والاكتئاب وتحسّن عام في الصحة النفسية. تتم تلك التأثرات عن طريق مراحل متتالية وهي: (مرحلة التعبير عن الأفكار والتنفيس عن الانفعالات، مرحلة التأمل في النفس والحياة والمجتمع والكون، مرحلة ممارسة العمل والإنتاج اليدوي المحترف، مرحلة التتابعات الإبداعية وتوالي النجاحات) هذا أظهر نتائج أخرى لمستها فرق البحوث في تأثير الفن الإيجابي في الصحة العامة، يمكن حصرها في التالي: (رعاية المريض على مدى طويل، التعبير عن الذات والألم والأمل، تخفيض مدة بقاء المريض في المستشفى، توفير تكاليف العلاج، تنمية الحس الجمالي والذوق الفني وتزيين دور الرعاية الصحية في التصميم الخارجي والتشجير والداخلي كالتأثيث والأزياء والغرف والممرات وصالات الانتظار والعيادات، رفع معدلات الرضا الوظيفي لدى العاملين من أطباء وتمريض وإدارة، زيادة معدلات الرضا في الخدمة الصحية عند المرضى والزائرين والمجتمع). هذا ما جعل ممارسة الفنون جزءاً لا يتجزأ من الوصفة الطبية العلاجية للمرضى، من أجل تحسين صحتهم الفسيولوجية والنفسية، وأصبح استخدام آلات ومعدات لممارسة الفنون للمعاقين والمسنين والمقعدين في نمو واحتياج متصاعد. ذكر روبرت ريدفورد 2012 في لقاء الفن والصحة العامة البلاد حرجة جداً، تنزف، وتتأذى الآن. البلد بحاجة للشفاء لن يتم شفاؤها من القمة، كيف ستشفى؟ الفن هو الشفاء. قارنت الولاياتالمتحدة الأميركية تجارب الدول السابقة بما لديها في وضعها الداخلي، فوجدت التالي: هناك في السكان مرضى يحتاجوا رعاية صحية وإشراف طبي لمدد طويلة مثل المسنين، المعاقين، المصابين بشدة جسديا ونفسياً، مصابي الحرب. لذا، أصدرت دليلاً للممارسة الفنية للمجالات الصحية وشرعت في تنفيذه فيدراليا على مراحل. فظهر من هذا تأمين عيادات للعلاج بالفن وغرف لممارسته في المراكز الصحية، المستشفيات، المدن الطبية، مرافق الرعاية طويلة المدى، دور النقاهات، دور المسنين، مستشفيات الصحة النفسية، العقلية، العصبية، المدارس، مراكز الرعاية والتأهيل الشامل، مخيمات ذوي الاحتياجات الخاصة، السجون، وحدات الطب العسكري، استراحات قدامى المحاربين، المراكز المجتمعية والثقافية، وهذا شعارهم المعلن «الاستثمار في فنون الصحة هو استثمار في صحة أميركا». ختاماً، نحتاج لدراسات تطبيقية عن تأثير الفنون العلاجي بين مرضانا، ودعم ممارسة الفنون البصرية في المراكز الصحية ودور النقاهة والمسنين والأحداث والرعاية الاجتماعية والتأهيل الشامل ودور المعاقين والسجون والمصحات النفسية، ووضع برامج علاجية فنية فعالة سريرياً، وقياس فاعلية الفنون في دورها ومسؤوليتها الاجتماعية والإنسانية، ووضع أولويات وطنية للمظاهر الصحية السلبية ليتم تخطيط حملات إعلامية إعلانية لمكافحتها. للفنون تأثير إيجابي في الصحة النفسية والاجتماعية والفسيولوجية للمرضى