مع زيادة وعي الناس بأهمية ادخار شيء من المال لوقت الضرورة، تداول المغردون الأيام الماضية أبياتًا شعبية قديمة للشاعر عبدالله بن إبراهيم المقرن (المريعان) تضمّنت خلاصة ما يُسمى «الوعي المالي»، وهي أبيات جميلة تنصح بأن يُقسّم الشخص دخله إلى ثلاثة أقسام يؤدي كل واحد منها دورًا محددًا يساعده على تحسين حياته، ويقول الشاعر في تلك الأبيات: ثلث المكدّة حطها في بعارين وثلثٍ تخرّج منه واضبط حسابه والثلث الآخر صك دونه كوالين يجري على المخلوق شي ما هقابه ينصح الشاعر بتقسيم الدخل إلى ثلاثة أقسام: الثلث الأول للاستثمار، والثاني للمصروفات، أما الثالث فهو مخصص للادخار. وهذه النصيحة، التي صاغها الشاعر في قالب شعري بسيط، نصيحةٌ يصعب على معظم الناس الالتزام بها؛ لأنهم اعتادوا على وضع أموالهم في خانة واحدة هي خانة المصروفات. ومثل هذه الأبيات تكاد تكون نادرة في الشعر الشعبي الذي غالبًا ما نجد له مسارين واضحين للحديث عن المال وقيمته، ويتجه كل مسار منهما باتجاه معاكس للآخر بحسب غرض القصيدة، ففي غرض المدح يكون تركيز كثير من الشعراء على التقليل من قيمة المال ووصفه بالعدو، الذي ينبغي القضاء عليه والتخلص منه سريعًا، وأضحى من الشائع أن يوصف الممدوح بفرط الكرم، وأنه «مهلك» أو «مفنٍ» لأمواله وممتلكاته. وأعتقد أن هذه المبالغات حيلة ذات تأثير نفسي قوي في الممدوح، كما تلعب دورًا كبيرًا في تزهيده في المال الذي يمتلكه تمهيدًا للتخلي عنه لمصلحة المادح/الشاعر! ويتبيّن لنا المسار الثاني للحديث عن المال في الشعر الشعبي بتأمل غرض الحكمة الذي دائمًا ما يكون أكثر واقعية من المدح، ففي بيت شهير من قصيدة بديوي الوقداني إعلاء من قيمة المال الذي يُشبهه بالماء في قدرته على إحياء الرجال «الأموات» مجازيًا: المال يحيي رجالٍ لا حياة بْها كالسيل يحيي الهشيم الدمدم البالي ويرى الشاعر سالم الحميد أن المال يُعين الإنسان على الاستدلال على الطريق الصحيح ويضيء له الطرق المظلمة التي يسلكها في هذه الحياة: إلى غديت بحندس الليل دلاّك المال لو علته عن الدرب يقديك ومن الشائع في قصائد الحكمة أن يأتي التأكيد على تفضيل الناس لصاحب المال: «ترى كثير المال كلٍ حبيبه»، «إن كثر مالك قرّبوا لك وحبّوك»، في مقابل توضيح الموقف السلبي في التعامل مع الفقير. ففي الحكمة يحث الشعراء على كرم الضيافة كما يحثون على المحافظة على المال، وفي ذلك إشارة إلى أهمية التعامل مع المال بحكمة. ويجد الناظر أيضًا أن الأمثال الشعبية أكثر واقعية من الشعر في مسألة التعامل مع المال وتدبيره، ففي الأمثال نجد أن المال ليس عدوًا كما تصوره بعض قصائد المدح، بل هو في مقام الحليف أو ابن العم: «حليفك كيسك وابن عمك ريالك»، وفي مثل شعبي آخر تعادل منزلة المال منزلة الروح التي يعني فقدها فقد الحياة: «الحلال عديل الروح». وفي تراثنا الشعبي كثير من الأمثال التي ترتبط بموضوع المال وتستحق أن نعود لتأملها لاحقًا بإذن الله.