التاريخ الحديث والقديم للجزيرة العربية يوضح تعرض السكان لعدة أوبئة، متوافقة مع فترة حروب أو جفاف. وتلك الأمراض بعضها وباء عام شمل مناطق ودولًا على مساحات كبيرة وبعضها محدود الانتشار. وقد عرفت فيما بعد تلك الأوبئة بمسميات الإسبانية وإنفلونزا الخنازير والطاعون والكوليرا.. إلخ. والملاحظ أنه وقع وباء مشهور أرخ به الناس لشدته وبقائه في ذاكرتهم. أما الوباء الآخر فهو أقل تأثيرا منه رغم التشابه، ويفصل بينهما فترة قصيرة من الزمن. الوباء الأول وقع عام 1337ه الموافق 1919م، أي بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وأما الآخر فبعد قرابة ثلاثين سنة، أي بعد الحرب العالمية الثانية. وسميت سنة الوباء الأول (سنة الرحمة) أو (سنة الصخونة) أي السخونة، ووصف كثير من آبائنا وأجدادنا سنة الصخونة (الرحمة) وما حل بالبلدان الموبوءة وصفًا مفزعًا لكثرة الفواجع والموتى، ولانتشار المرض على مساحة كبيرة. إن سنة الصخونة كانت أول سنة يستنشق فيها العالم هواء ما بعد الحرب العالمية الأولى، وربما تكمن المشكلة هنا. وقد علل البعض سبب الوباء وحدده باعتباره إنفلونزا الخنازير أو الإسبانية أو الطاعون، أو نسبوا أسبابها لغازات استخدمت في الحروب والعلم عند الله. لقد استغرق المرض الذي ظهر فجأة وبمقدمات بسيطة مدة 40 يوما يحصد الأرواح، وثلاثة أشهر تقريبا في أعقاب شدته. فكان يموت في اليوم ثلاثة وأربعة والعدد يتزايد، وأصبح عدد النعوش لا يكفي، وبدأ الناس يتساقطون كما لو أنهم تناولوا السم، على حد وصف أحد كبار السن، فبعض الدور مات أهلها جميعًا وأغلقت دورهم. تطوع كثيرون في مجال العناية بالمرضى، وأيضًا غسل الموتى وحفر القبور والدفن؛ لأن العدد فاق قدرات من يحفر القبور. وعملت نعوش مؤقتة من الأبواب، حيث خلع بعضها واستخدمت نعوشًا يحمل الميت عليها. وكان الناس يتجولون بين الدور آخر الليل ينادون أهلها للاطمئنان وخوفًا من أن يكن أحد منهم قد مات. وخاف بعضهم أن يكون الوباء عقوبة بسبب الذنوب، فراجعوا أنفسهم ومعاملاتهم وتذكروا ما عليهم، وحاسبوا أنفسهم محاسبة صادقة ودقيقة، وكتبوا وصاياهم، وبعضهم طلق زوجته؛ لأنه يرى أنه خطبها على خطبة غيره و(طمحها) كانت في السابق مع زوج، وأغراها بالزواج فطلقت من الأول. وردت المظالم، وتذكر الناس أخطاءهم في العقار والبساتين والحدود والأموال. ومن البوادر الطيبة أن الناس ساد بينهم التوكل على الله واليقين بأنه لن يصيبهم إلا ما كتب الله لهم، وما تطيروا بل مارسوا جميعًا حياتهم رغم القلق الذي يفرضه الوضع المخيف، فعاش من عاش ومات من كتب الله حلول أجله. ومع ذلك كانوا يتقومون عزل لمرضى (حجر صحي) في طرف القرية أو القطين عندما إصابتهم بالأمراض المعدية، ويعدون لهم أطعمة خاصة مثل طعام (القِرُو) هو عبارة عن لحوم الذكور من الإبل والماعز، وبعض الخضار والحبوب، ويقدم للمعزولين (حجر صحي)، فإذا تأكدوا من شفائهم أعادوهم من الحجر مع الالتزام بحمية لمدة أربعين يومًا. وبعد ظهور المشافي في بعض الدول العربية صار بعض المواطينين يسافرون إلى هناك للعلاج حتى إن إحداهن قالت تعزي نفسها في سفر عمها للبنان لطلب العلاج: يا قصر ما بك حلا ولا نور ولا كن بالقصر سكاني من يوم عمي نصى الدكتور متوجه صوب لبناني قفوا في حامي الطابور عمي إليا هاب كوباني وقول الشاعر ابن عمار في ألفيته الشهيرة في وصف المعالج: الباء بليت بحب خلي على ماش ولاحصل لي منه ما يبرد الجاش غديت أنا وإياه طاسه ومنقاش بالوصف كني يالمعزي سلامات سلامات للذي هم يذكرونه يبي السلامة منه وهي المعونه يقول طيب مير غارت عيونه سبب ولدكم واحدن صابه ومات وبمناسبة المرض وشعور المريض وقلقه أيًا كان مرضه، هذه قصيدة قديمة، للشاعر فهد بن عبد العزيز الفايز، عبر فيها عن شعور المريض. يقول فيها: شفت المغذي فوق راسي ينقط نقطه ورا نقطه ينقّط نقوطي ليّه يروّع مثل داب مرقط وإلا مثل كفّ يلوّح بسوطي والإبرة بكفي مثل ريشة الخط وإلا مثل مصّاص في وسط قوطي مع الهواجس رحت في شيل وحط اخاف من قلب يصيبه هبوطي ذكرت موت قاعد لي على الخط والمغسلة فيها الكفن والحنوطي ومساحة أرض ما رسمها مخططّ ببلاش لا صك ولا به شروطي وجاني طبيب وقال كلش مضبّط ارتح وخذ لك هالعلاج مخلوطي وإنس الهموم وخلّها لا تسلّط وافتح كتاب الله وشرح السيوطي واقر دواوين الشعر كود تنشط والا لطه حسين والمنفلوطي ترا حلاة العمر ساعة بها بسط والله غفور ولا يصيبك قنوطي التطعيم للملاريا في الخمسينات الميلادية بالقطيف علاج شعبي فحص مريض في الشميسي العام 1961م ناصر الحميضي