التربية ليست توفير الاحتياجات الأساسية، هذه رعاية ضرورية، التربية هي السلوك والتعامل والأخلاق والدعم وتعزيز سلوكيات الطفل الإيجابية، والثقة في قدراته وتحفيزه على المشاركة، وتوفير الفرص التي تساهم في التنمية المعرفية وتنمية الشخصية ومهارات التفكير.. استمعت إلى تسجيل تربوي جميل تحت عنوان (رسائل تربوية) يتحدث فيه صاحبه عن الفرق بين الرعاية والتربية. يتضمن الحديث تحذيرات معتادة يوجهها الآباء والأمهات للأطفال مثل: لا تخرج للشارع بعد الاستحمام حتى لا يصيبك الزكام، لا تقود الدراجة في الشارع حتى لا تصدمك السيارات، ابعد عن التلفزيون حتى لا يضر عينك. تلحف جيداً عند النوم. هذه التحذيرات في نظر المتحدث ليست أفعالاً تربوية، فالتربية شيء مختلف. التحذيرات السابقة في نظره تصنف في خانة الرعاية وتعني حماية الأبناء من المخاطر، أما التربية فهي إعداد الأبناء لتحمل المخاطر. هذا رأي تربوي يستحق التعليق لما له من أهمية تربوية وهو ما حفزني لكتابة هذا المقال. الرعاية عاطفة طبيعية ومهمة في حياة الطفل بشرط ألا تحرمه من فرص التجربة والممارسة التي تنمي قدرته على التفكير واكتساب المعرفة والخبرات التي تساعده في المستقبل على التعامل مع المخاطر وتجاوز العقبات. الرعاية ضرورية بحدود، التربية لا تمنع التوجيهات ولكنها يجب ألا تحول الطفل حتى بعد أن يكبر إلى إنسان يعتمد على غيره وينتظر الحلول من الآخرين. التوازن عامل مهم ومؤثر في التربية. التوازن يعني الجمع بين الرعاية والتربية، وبين اللين والشدة. التعلم بالممارسة مطلب مهم لكنه لا يعني التخلي عن العاطفة. رعاية الطفل في سن معينة تحميه من المخاطر. وسوف يتعرف بتراكم الخبرات على المخاطر، ويكتسب مهارة التعامل معها تدريجياً. قد يظن البعض أن الرعاية هي توفير الاحتياجات الأساسية للأطفال. تلك رعاية ذات جانب مادي فقط وهي غير كافية، من الضروري إحاطة الأطفال بالرعاية المعنوية، والتدرج معهم في تحفيزهم على المشاركة وبناء الثقة بالنفس، والتعلم من مصاحبة الآباء والأمهات. هذه العلاقة الإيجابية داخل الأسرة سوف تتعامل مع أخطاء الأطفال بأنها فرص للتعلم وفي حالة ارتكاب سلوك خاطئ لن يوجه النقد للطفل، لن يعنف، ولن يوصف بأنه طفل سيئ، سيوجه النقد إلى السلوك وليس إلى شخصية الطفل. التربية ليست توفير الاحتياجات الأساسية، هذه رعاية ضرورية ومسؤولية جسيمة وحق من حقوق الأطفال، لكن التربية هي السلوك والتعامل والأخلاق والدعم وتعزيز سلوكيات الطفل الإيجابية، والثقة في قدراته وتحفيزه على المشاركة، وتوفير الفرص التي تساهم في التنمية المعرفية وتنمية الشخصية ومهارات التفكير. إذا وجهنا مجهر الملاحظات على بعض الممارسات التربوية آخذين في الاعتبار الطرح السابق سنجد أن بعض أولياء الأمور يسيرون في طريق الرعاية على حساب التربية. سنجد أن الطفل يكبر ويتخرج من الثانوية ويلتحق بالجامعة ويستمر الأب أو الأم في رعايته ومتابعته في كل صغيرة وكبيرة إلى المستوى الذي يفقد فيه الطفل – الذي أصبح شاباً - ثقته بنفسه غير قادر على اتخاذ القرارات الخاصة به دون الرجوع إلى الأب أو الأم. سنعترف أن وجود العاملة المنزلية مع الأطفال هو نوع من أنواع الرعاية يعود الطفل على الاعتماد على الآخرين. الرعاية المنزلية حرمت الأبناء والبنات من اكتساب مهارات القيام بالأعمال المنزلية والمشاركة في المسؤولية، وهذا وضع قد يمتد تأثيره السلبي في حياة الإنسان العملية والزوجية. التربية لا تنحصر في إعداد الأبناء لتحمل المخاطر كما يعتقد صاحب التسجيل، ولا أعتقد أنه يقصد حصرها في هذا المعنى الضيق لكنه أراد -وهو محق- تحذير الآباء والأمهات من كثرة التحذيرات التي تزرع القلق والخوف في نفوس الأطفال. الحب والاهتمام والدعم داخل الأسرة أساس تربوي مهم ولا يتعارض مع بناء شخصية قوية تملك القدرة على التفكير المستقل واتخاذ القرارات وحل المشكلات، بل إن البيئة التي يسودها الحب هي التي تجمع بين الرعاية والتربية، هي التي توفر العاطفة واكتساب القيم واكتشاف المواهب وتنمية القدرات.