انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أسهم في رفع درجة الوعي الصحي إلى حد كبير بالأمراض المنتشرة عالميًا، وكيفية الوقاية منها، والتعامل معها، إلا أنها في الجانب الآخر أثارت البلبلة، وحرب الإشاعات التي لا تتوقف سواء فيما يتعلق بالوفيات، أو سرعة انتشار المرض ومدى خطورته.. لعل الأخطر من مواجهة كورونا والحرب عليه هو حرب الإشاعات التي تتمحور حوله، وما يتم تداوله من تحليلات غير منطقية وربطها بأمور لا أساس لها من الصحة، فمن قائل إن المستشفيات تمتلئ بالمصابين، وآخر يصل بعدد الوفيات إلى المئات، وثالث يروج لنقص المواد والاحتياجات الضرورية، وهكذا سيل من الإشاعات الغريبة لا يتوقف. نعيش مع كورونا أو (كوفيد19) أيامًا غير عادية أبدًا، فمن كان يتصور أن نرى الحرمين الشريفين في يوم من الأيام دون المصلين والزوار والمعتمرين، أو نرى المباريات الرياضية تقام دون جمهور.. أو نرى المطارات بدون ركاب انتظار ومواصلة.. إنه الخوف من تفشي هذا المرض الغامض الذي نزل علينا فجأة ودون سابق إنذار، الذي كان آخره تعليق الدراسة المؤقت في جميع المؤسسات التعليمية، وإيقاف السفر إلى بعض البلدان. هذا الفيروس الصغير الذي ينتشر بسرعة البرق، ولا يمكن رؤيته حتى بالعين المجردة، غيَّر كثيرًا من طريقة حياتنا الروتينية المعتادة، فأصبحنا نخاف من مصافحة الآخرين، نخشى من الاجتماع معهم، ونحاول الابتعاد عن كثير مما ألفناه في حياتنا اليومية.. إنه حقًا كابوس يعيش بيننا، فمتى ينتهي هذا الكابوس المزعج، الذي جعل العالم يعيش في رعب وخوف مستمرين. ومع أن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أسهم في رفع درجة الوعي الصحي إلى حد كبير بالأمراض المنتشرة عالميًا، وكيفية الوقاية منها، والتعامل معها، إلا أنها في الجانب الآخر أثارت البلبلة، وحرب الإشاعات التي لا تتوقف سواء فيما يتعلق بالوفيات، أو سرعة انتشار المرض ومدى خطورته، حتى أصبح الإنسان لا يأمن حتى في بيته ومع أسرته. ومع زيادة روع الناس من هذا المرض الآتي من بعيد، تناسينا أن نسبة الشفاء منه تصل إلى أكثر من 80%، وأن معظم الذين تتدهور حالتهم الصحية هم من كبار السن الذين يعانون أمراضًا أخرى مزمنة ويضعف كورونا من مناعتهم، وأن 85% من الحالات المصابة في العالم لا تحتاج إلى مستشفى كما أعلنت ذلك منظمة الصحة العالمية، هذا خلاف أن الاستجابة السريعة بالفحص لأي أعراض مشابهة لأعراض كورونا تسهم - بإذن الله - في الشفاء منه، وإحصائيًا هناك أمراض أكثر فتكًا بالإنسان من هذا المرض الغامض، مثل أمراض السرطان والقلب وحتى حوادث السيارات. ولعل مما جعل كثيرين يرتعبون من خطورة هذا الفيروس إضافة إلى سرعة انتشاره، التركيز الإعلامي الضخم على تنامي عدد الإصابات، وسرعة انتشاره التي فاقت مرض نقص المناعة المكتسب الإيدز، ومرض إيبولا القاتل الذي فتك بقرى كاملة في إفريقيا. وحينما ننظر بتمعن إلى قرارات الدولة فيما يتعلق بإيقاف السفر مؤقتًا إلى بعض الدول، وتعليق الدراسة، وإلغاء عديد من الفعاليات اليومية، ومنع التجمعات العامة، وإلغاء الحضور الجماهيري في المباريات الرياضية، لا بد أن ننظر إليها على أن هدفها في المقام الأول مضاعفة الحماية والوقاية للمواطن والمقيم من خلال السيطرة والحد من انتشار هذا الفيروس. وهناك دول أخرى كثيرة سبقتنا إلى تطبيق هذه الإجراءات الاحترازية حماية لمواطنيها والمقيمين فيها، بل إن بعض الشركات العالمية مثل تويتر وأبل سمحتا لموظفيهما بالعمل من منازلهم، ومطارات العالم توقفت فيها الحركة تمامًا، وصور مطار جون كينيدي في نيويورك، الذي كان يعد من أكثر مطارات العالم ازدحامًا شاهد آخر على هذه الإجراءات الوقائية، فبدلاً من تداول الإشاعات والتخويف والترهيب، علينا أن نفخر بسرعة مبادرة الدولة لاتخاذ هذه الإجراءات لمكافحة هذا الزائر المزعج، الذي نسأل المولى - عز وجل - ألا يطول بقاؤه في مجتمعاتنا. الغريب في ظل هذه الإشاعات المتكررة من كل مكان شرقًا وغربًا، شمالاً وجنوبًا، محليًا ودوليًا، لا نسمع ولا نقرأ إلا نادرًا عن أرقام الذين تعافوا من هذا الفيروس، سواء في الصين أو غيرها من الدول الأخرى، فلماذا لا أحد يهتم بها؟ أليس هذا مؤشرًا إيجابيًا على إمكانية محاصرة هذا الفيروس؟ وهنا يبرز تساؤل: لماذا حينما تقوم المملكة بإجراءات احترازية محددة لمكافحة هذا المرض، يبدأ المغرضون بالحديث والتشكيك ونشر الإشاعات وكأنه لا توجد دولة سوى المملكة قامت بهذه الإجراءات؟ لعل الأخطر من مواجهة كورونا والحرب عليه هو حرب الإشاعات التي تتمحور حوله، وما يتم تداوله من تحليلات غير منطقية وربطها بأمور لا أساس لها من الصحة، فمن قائل إن المستشفيات تمتلئ بالمصابين، وآخر يصل بعدد الوفيات إلى المئات، وثالث يروج لنقص المواد والاحتياجات الضرورية، ورابع يشكك في الإجراءات الاحترازية التي قامت بها الدولة، مشيرًا إلى أن هدفها تقييد الحرية والحركة لأهداف أخرى، وهكذا سيل من الإشاعات الغريبة لا يتوقف. ينبغي لنا في الواقع الابتعاد عن تناقل الشائعات والمعلومات غير الموثوقة، وأن نقف صفًا واحدًا مع الدولة في إجراءاتها الاحترازية لمكافحة هذا الفيروس الغامض، وأهم هذه الوسائل إماتة الشائعات في مهدها، وتفنيد الحقائق في وقتها. وأخيرًا، اللهم اصرف عنا هذا الوباء، واحفظ أبناءنا وبلادنا والمسلمين أجمعين منه، ونقول ما قال رسول صلى الله عليه وسلم في دعائه: اللهُّم إنا نعوذ بك من البرص، ونعوذ بك من الجنون ونعوذ بك من الجذام، ونعوذ بك من سيئ الأسقام.