خلال الأسابيع القليلة الماضية تزايدت وتيرة انتشار فيروس كورونا المستجد ملقية بظلالها على أسواق المال والأعمال العالمية. الصين ثاني أكبر الاقتصادات العالمية كانت الأكثر تأثراً منذ بدأ انتشار الفيروس وهو ما ألقى على بيانات الطلب العالمي على النفط. إجراءات خفض نسب الفوائد من البنوك المركزية العالمية لم يسعف أسواق المال بل على العكس تأثرت حتى كبرى السندات العالمية سلبياً على رأسها عوائد سندات الخزينة الأميركية للعشر سنوات والتي هبطت إلى مستويات متدنية تاريخياً. انخفاض عوائد سندات الخزينة الأميركية كان من المفروض أن يدعم أسواق الأسهم إلا أن العكس حصل تماماً حيث هبطت أسعار الأسهم مع عوائد السندات آخذة معها الدولار الأميركي نزولاً. النفط بدوره ظل متماسكاً في نطاقات سعرية جيدة خلال الأزمة إلا أن اجتماع أوبك مع حلفائها من خارج المنظمة لم يفضِ إلى تعميق الخفض المتوقع.. المملكة ومن خلال نهجها الواضح في صنع توازن في أسواق النفط وضعت الحلول الكبرى لأسواق النفط بل وذهبت أكثر من ذلك في تحفيز المنتجين على الالتزام بمستويات الخفض وهو ما أعلنه سمو وزير الطاقة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز عندما وعد في اجتماع ديسمبر من عام 2019 أن المملكة مستعدة بخفض إضافي (أو تحفيزي) حال التزام المنتجين بحصص الخفض المتفق عليها، المملكة وعن طريق سمو وزير الطاقة مرة أخرى في اجتماع مارس الخاص بدول أوبك عادت بإبداء تعاونها بخفض إضافي بسبب تباطؤ الطلب الذي سببه انتشار فيروس كورونا.. وقاد سمو وزير الطاقة موقف دول أوبك بخفض إنتاج من داخل المنظمة بقدر مليون برميل يومياً، على أن يخفض المنتجون من خارج المنظمة بقيادة روسيا بمقدار نصف مليون برميل يومياً. روسيا التي عانت كثيراً خلال الأسابيع القليلة الماضية من مصاعب ميدانية في مناطق متعددة من صراعات الشرق الأوسط وعقوبات مالية جديدة على ناقلاتها النفطية المتواجدة في فنزويلا وتوترات سياسية في الداخل الروسي لم تجد أن مصالحها تقتضي مزيداً من تخفيض الإنتاج. التمسك الروسي بعدم التخفيض غيّر المشهد النفطي بشكل كبير. الانخفاض الكبير في أسعار النفط بعد اجتماع أوبك يعكس حالة المفاجأة التي حصلت بعدم رغبة روسيا بتعميق خفض الإنتاج وهو ما لم يتوقعه السوق قبل الدخول في الاجتماع؛ هو أيضاً انعكاس مباشر لأسواق الأجل ومعنويات المضاربين الذين لم يتوقعوا تمسك روسيا بعدم تخفيض الإنتاج. إعلانات الحجر المتوزعة على دول العالم التي تعاني من تفشي الفيروس زادت من حالة الهلع المنتشرة والتي تنذر بانخفاض واسع في الأنشطة التصنيعية والاستهلاكية عالمياً. الخوف في الأسواق يعتبر واحداً من أقوى محركات الأسواق الحالية كما أن التذبذبات السعرية في حالة الخوف تنشط وتيرتها بشكل أكبر وهو ما جعل التحليلات الفنية لا توحي بالكثير من التفاؤل بأسعار مستقبلية مرتفعة. الكثير من بيوت الاستشارات بدأت طرح إمكانية دخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود على إثر ما يحدث في أسواق النفط إلا أن عودة الطمأنينة في الأسواق النفطية واردة -وهو ما لمسناه يوم أمس- في حال عادت الأنشطة الصناعية والتجارية عالمياً. ثلاثة مؤشرات رئيسىة ستظل تحت رقابة المحللين والمتابعين لأسواق النفط: عودة نشاط سلاسل الإمداد وارتفاع مؤشرات المستهلك في الاقتصادات الكبرى ونشاط قطاعات التجزئة والنقل.