منذ خمس سنوات تولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم، وقراراته –حفظه الله- في كل مجالات التطوير وعصور النمو المؤسسي ممزوجة بدماء شابة مؤهلة ابتكاريّة قادرة على مواكبتها في منعطف مهم في تاريخ المملكة بقيادة عراب المستقبل ورؤيته ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان. وفي ضوء ما تشهده المملكة من خطوات تنموية واسعة في مختلف المجالات، بما فيها المجال الثقافي، أعلن سمو وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان عن موافقة مجلس الوزراء على إطلاق تسع هيئات.. هيئة الأدب والنشر والترجمة، وهيئة الأزياء، وهيئة الأفلام، وهيئة التراث، وهيئة فنون العمارة والتصميم، وهيئة الفنون البصرية، وهيئة المتاحف، وهيئة المسرح والفنون الأدائية، وهيئة المكتبات، وهيئة الموسيقى، وهيئة فنون الطهي. الخبر أفرح السعوديين كافة والوسط الثقافي والفني والمهتمين والمتخصصين خاصة، وما سأتحدث عنه هنا بالتفصيل هو «قطاع الأزياء» بحكم تخصصي العلمي وتجربتي التي انتمي إليها منذ فتحت أول دار للأزياء عام 1990م بمدينة جدة، سعادتي لا توصف وكأنه حلم لا أود أن أصحو منه، ولكن المتتبع لرؤية سيدي ولي العهد 2030 والمتأمل ما بين ثنايا هذه الرؤية العظيمة يجد الحراك الثقافي والفني المدروس يخطو نحو حراك ثقافي وفني سعودي عالمي متجدد وأمل لمستقبل واعد لأجيالنا. «الأزياء» تعد بالمقام الأول صناعة شمولية متكاملة تشمل العديد من التخصصات وفرصاً مهنية كبرى، فهناك العديد من البلدان التي تمتلك صناعة موضة رغم أنها لا تمتلك المصانع ويكاد يكون عائدها المالي يشكل دخلًا مالياً قومياً هائلاً على هذه الدول، كما أنها تمنح فرصاً وظيفية هائلة؛ فالأزياء منظومة كبيرة تندرج تحتها الأقمشة، الصناعة، التسويق، الإكسسوارات، الملابس الجاهزة والمصنعة، المعارض والمؤتمرات والفعاليات، العروض، مهن الموضة، الصناعة للقطاعات الكبيرة العسكرية والمدنية، التسوق الإلكتروني، المعارض، الأجهزة والمعدات، الأزياء التراثية. أما الصورة الذهنية المتناقلة لغير المتخصصين «علمياً» في الأزياء بشكل أو آخر، فإنهم يعتقدون أن دراستها هي فقط «تصميم الأزياء».. وهذا خطأ علمي وفني كبير، فالأزياء صناعة كبيرة يدرس فيها كل احتياجات الموضة وتفاصيلها الدقيقة مثل.. التسويق، البيع، فن الشراء، الإعلام، الإعلان، التصنيف، عرض المنتج، صحافة الموضة، التكنيك، إدارة المصانع، فن القص، الرسم، الجرافيك، الخياطة، التطريز، تصميم الأقمشة، فن عرض المنتج، تسويق المنتج، تصوير الأزياء، اللوجستيك الخاص بالأزياء من تغليف ونقل وتخزين وشحن..، كما أن عالم الأزياء واسع ومتشعبة أقسامه فمنها أزياء السهرات الراقية، أزياء السهرات، الأزياء الجاهزة الراقية، الأزياء الجاهزة المتوسطة، الأزياء الجاهزة الرخيصة، الأزياء الرياضية، الأزياء الموحدة. السعودية اليوم تعد من أكبر الدول الاستهلاكية في بعض الأقسام التي ذكرتها تحديداً مثل أزياء السهرات، والأزياء الجاهزة المتوسط، والاكسسوارات.. رغم أنه يوجد لدينا صناعات متوسطة مخصصة للثياب والعبايات، لكنها لا تنافس ما يستورد من الصين على سبيل المثال، ولو استعرضنا حجم استيراد المملكة من الأقمشة والأزياء قد يربو على ما يزيد على 30 مليار دولار، ولو حصرنا أيضاً محلات التجزئة وكم عدد الأجانب الذين يشغلوا هذه المهن لخلقنا ملايين الفرص لأبنائنا. سمو وزير الثقافة ورئيس الوفد السعودي ورئيس اللجنة الوطنية للتربية والعلوم والثقافة، الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، ذكر أن فوز السعودية بمقعد في المجلس التنفيذي في منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» يأتي تأكيدًا على مكانتها الدولية ودورها في بناء السلام والمساهمة بفاعلية في إرساء مبادئ الثقافة والعلوم، وأشار إلى أن المملكة ستركز على الثقافة والفنون والتقنية والتعليم وتمكين الشباب، وأن تطوير العمل الثقافي بقطاعاته المتنوعة يحتاج إلى نفس طويل وصبر حتى يتسنى لنا قطف حصاد مميز يليق بمكانة المملكة وتاريخها وثقافتها العريقة، ولأن الشباب هما القوة الهائلة لترجمة طموح أي مجتمع، وأي عملية تبدأ بالغرس من الصغر في القطاعات الثقافية؛ لذا نركز بشكل مكثف على التعليم، التعليم ثم التعليم ثم التعليم، فهو أساس أي مشروع ثقافي. وكي نلحق بالموضة ونجعلها صناعة بشكل ممنهج؛ لا بد من تغيير الصورة الذهنية بالتثقيف عنها وعن منتسبيها، وخلق الأكاديميات المتخصصة الفعالة التي تنتج جيلاً يعشق مهنتّه، ويواكب سوق العمل وسرعة التحول في هذا المجال بعيداً عن المدرسة القديمة والمستهلكة عن الموضة. إنشاء «هيئة للأزياء» انتصار لأجيال مبدعة وانتصار لمن حفر في الصخر كي يقنع المجتمع باتجاهاته واستعداداته وخبراته، والحلم في وطننا أصبح حقيقة، وبدأ مفهوماً جديداً يواكب رؤيتنا العظيمة تبنته مشكورة وزارة الثقافة و»بدرها» وفقهم الله. * مصمم الأزياء العالمي