تعتبر حرية التعبير عن الرأي حقاً مشروعاً ومنظماً بضوابط تمنع التعدي والإساءة لسمعة وكرامة وحقوق الأشخاص سواء كانوا طبيعيين أو اعتباريين، لذا كانت حرية الصحافة ذات قيمة أساسية متعاظمة لدورها في حمل رسالة الإعلام والنشر بطريقة موضوعية في عرض الحقائق والبعد عن الإثارة، ونعتقد أن النقد المباح هو إبداء الرأي بطريقة لائقة وبعبارات ملائمة في واقعة صحيحة تهم الرأي العام بقصد المصلحة العامة وبحسن نية دون المساس بالأشخاص والإساءة والتشهير والإضرار بهم ماديا ومعنويا، أو انتهاك حرمة الحياة الخاصة. وإذا كان المنظم السعودي قد ضمن حق الصحيفة كمطبوعة في حرية التعبير عن الرأي باعتباره حقا مشروعا، إلا أن المادة التاسعة من نظام المطبوعات والنشر لم تسمح بنشر كل ما يخالف أحكام الشريعة أو الإخلال بأمن البلاد ونظامها ومصالحها داخليا وخارجيا وعدم إثارة الفتن والنعرات أو المساس بكرامة الأشخاص وحرياتهم أو ابتزازهم أو الإضرار بسمعتهم الشخصية أو التجارية وعدم إفشاء وقائع التحقيقات والمحاكمات إلا بعد الحصول على إذن من الجهة المختصة، ويكون النشر في نطاق النقد الموضوعي الهادف للمصلحة العامة ويستند إلى وقائع صحيحة، وبذلك تنتفي المسؤولية الصحفية بتوفر المصداقية: بالتثبت من الواقعة بمستندات تؤكد صحة الخبر، والموضوعية: في النقد البناء الموجه للتصرفات والأخطاء وليس الأشخاص بأسلوب يتصف بالواقعية وحسن النية بعيداً عن الإثارة والسب وإساءة السمعة والتشهير أو الابتزاز، ولكن في حالة ثبوت ممارسة النقد بغرض التشهير سيكون الناشر تحت طائلة المساءلة حتى وإن كانت الواقعة صحيحة. وكما أسلفنا فإن النقد يعرف بأنه تعليق على تصرف وقع فعلاً من شخص أو بمعنى آخر الحكم على واقعة مسلمة، دون التعرض إلى شخص المسند إليه، ولا تقوم المسؤولية على الناقد فيما أسنده ولا يعد قذفا أو إساءة للسمعة لأنه ليس موجها إلى شخص بعينة وإنما تعليق على التصرفات، ولكن يجب التنبه إلى أن النقد قد يمتد من التصرف إلى الأشخاص أحيانا لأن الفرق بينهما دقيق جدا، وحتى يكون الناشر مستعملا لحق النقد ولا تجوز مؤاخذته عما أسنده للغير لا بد أن تكون الواقعة صحيحة وتتصف بالواقعية ولا تمس حق الخصوصية في الحياة الخاصة لأنها لا تهم الرأي العام، ويكون الناشر حسن النية معتقدا صحة الرأي الذي يبديه تعليقا على الواقعة بعبارات غير مسيئة. ونخلص إلى أنه إذا كان النظام يعاقب كل صحيفة نشرت خبرا غير صحيح بفرض عقوبات مالية في الحق العام وإلزامها بنشر الرد والتعقيب مباشرة، وأعطت للمتضرر الحق في المطالبة بالتعويض عما أصابه من ضرر، إلا أن ذلك لا يعني تجريم العمل الصحفي دون وجه حق وفتحا لباب الشكاوى الكيدية، وإهدارا لحقوق الصحفيين والإعلاميين الذين يمارسون عملا مهنيا وإبداعيا يتسم بالمصداقية في الخبر والموضوعية في النقد الموجه للتصرفات والأخطاء وليس الأشخاص بعيداً عن المبالغة والإساءة للسمعة والتشهير، وقد لا تتوفر الحماية القانونية بمجرد المعرفة النظرية لحدود المسؤولية الصحفية دون وجود تنظيم إجرائي داخلي في المؤسسات الصحفية يقضي بإلزام الصحفيين والكتاب بالاحتفاظ بالمستندات التي تؤكد صحة الأخبار والتقارير، وينظم آلية النشر بموضوعية بعيدا عن الإثارة والإساءة والتشهير!.