لا شك أن من شروط صحة الدعوى بشكل عام أن تنفك عما يكذبها عرفاً وعادة، وبما أن العادة جارية بأن الإنسان لا يسكت عن حقه عند خصمه مدة طويلة دون وجود مانع حسي أو معنوي، فإذا مضى على الحق مدة طويلة ولم يطالب به يغلب على الظن كذب هذه الدعوى، واختلف الفقهاء في تحديد هذه المدة والصحيح أنها ترجع إلى اجتهاد القاضي حسب ملابسات وطبيعة كل قضية، وحيث إن نظام المطبوعات والنشر قد خلا من تحديد مدة لسقوط الحق بالتقادم سواء في الحق العام أو الخاص في قضايا المخالفات الصحفية مما يجعل هذا النقص الإجرائي في النظام سيفا مسلطا على رقاب الصحفيين مدى الحياة. وكما أسلفنا فإن هذا الفراغ القانوني يضمن لأي شخص كان وفي أي وقت شاء أن يقاضي الصحافة والصحفيين على أي خبر أو صورة نشرت ولو منذ عقود من الزمن ويطالب بالعقوبة أو التعويض أو بنشر الاعتذار في الصحيفة وفي هذه الحالة قد لا يكون رئيس التحرير المسؤول عن النشر في ذلك الوقت موجودا حاليا وكذلك في حالة طلب نشر اعتذار لأن الغرض المقصود بالعقوبة غير متحقق لان الأشخاص الذي يقصد توجيه الاعتذار إليهم قد يكونون غير متوافرين في هذا الوقت، ومن جهة أخرى فإن عدم وجود نص نظامي يضبط هذه الجزئية سيجعل الهيئات الصحفية أمام كم هائل متزايد من القضايا دون أي ضوابط إجرائية تنظم قضايا النشر المختلفة. ونعتقد أن ممارسة الصحافة لحق النقد الموضوعي البناء الموجه للتصرفات والأخطاء وليس للأشخاص بأسلوب يتصف بالواقعية وحسن النية بعيداً عن الإثارة والسب وإساءة السمعة والتشهير ويستند إلى وقائع صحيحة وأدلة تؤكد صحة الخبر بقصد المصلحة العامة، يتطلب مرونة في تطبيق المادة التاسعة من نظام المطبوعات والنشر التي جاءت بألفاظ عمومية مطاطة يمكن إسقاطها على أي واقعة نشر لتجريم وتحجيم الكثير من أعمال الصحافة، ومن جهة أخرى نصت الفقرة السابعة من نفس المادة: على عدم نشر وقائع التحقيقات أو المحاكمات دون الحصول على إذن من الجهة المخولة نظاما، وهذه الفقرة أيضا جاءت مجملة لشمولها جميع أنواع التحقيقات والمحاكمات دون تحديد ضوابط واضحة تمنع النشر بقصد عدم التأثير على سير إجراءات التحقيق أو المحاكمة في قضايا معينة وليست بصفة عامة. ونخلص إلى أن تنظيم الجانب الإجرائي في القضايا الصحفية وتحديد ضوابط النشر بطريقة واضحة ومحددة وموجزة، مثل حصر حق السماح بالنشر من عدمه بجهات التحقيق أو المحاكم في قضايا معينة وليست مجملة بنص النظام بما يضمن العدالة والعلانية في المحاكمات وتنظم آليات التغطية الإعلامية المطلوبة لزيادة الثقة في النظام القضائي ويساهم في نشر الثقافة والوعي القانوني، بحيث يسمح بحرية النشر الصحفي وتوضيح الحقيقة للرأي العام ودحض الشائعات كمبدأ عام، ما لم تقرر جهة التحقيق أو المحكمة حظر النشر لاعتبارات معينة، بدلا من المنع مطلقا وتجريم العمل الصحفي بأي شكل كان.