يعد النقد الموضوعي البناء ضمانا لسلامة البناء الوطني، حيث تعمل الصحافة على حماية حقوق أفراد ومؤسسات المجتمع في كثير من بلدان العالم باعتبارها سلطة رابعة، والصحافة تعتبر من أهم مصادر المعرفة بكل مجالاتها الثقافية والتربوية والدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا يمكن للصحافة أن تقوم بدورها على أكمل وجه دون أن تعيش في مناخ حر انطلاقا من مبدأ حرية الرأي والتعبير وفق ضوابط الشرع والنظام والتي متى تجاوزها الصحفي في أداء عمله فإنه يسأل ويحاسب عن هذا التعدي وهنا تقوم في حقه المسؤولية التقصيرية التي تعرف بأنها كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض، وعناصر المسؤولية التقصيرية هي الخطأ والضرر وعلاقة السببية، فإذا اجتمعت هذه العناصر في الفعل أصبح الشخص مسؤولا مسؤولية مدنية أمام النظام. وروح العمل الصحفي تكمن في ممارسة الحق في النقد تعليقا على تصرف أو خطأ وقع من شخص أو جهة ما بحكم أنها واقعة مسلمة وليست سباً أو قذفاً أو تشهيراً وليس موجهاً الى ذات الشخص بل الى تصرفاته فهو من انتقاد الأخطاء اذا انصب النشر على واقعة صحيحة واستخدم تعبيراً وأسلوباً متسماً بالصفة الواقعية مع حسن النية في ممارسة الحق من قبيل النقد المباح، ولكن تبقى مسؤولية الصحفي مسألة وقائع تخضع لتقدير المحكمة، والتعويض في المسؤولية المدنية يكون للمتضرر نفسه الذي له الحق في المطالبة أو التنازل عما أصابه من ضرر، ويجوز للفعل الواحد أن يجمع بين المسؤولية المدنية والجنائية التي تتطلب وجود جهة مختصة في نظر في المخالفات الصحفية مدنياً وجنائياً كما هو معمول به في اللجان الطبية الشرعية. ولجان النظر في المخالفات الصحفية تهدف الى الرقي بمهنة الصحافة من خلال ايجاد بيئة إعلامية مبنية على الموضوعية في عرض الحقائق والبعد عن الأخطاء المهنية والإثارة والمبالغات، ومسؤولية الصحفي المدنية تخضع لضوابط تمنع التعدي والظلم والإساءة لسمعة وكرامة الغير، وتطالبه بتوخي الحرص في التفريق بين النقد المباح وغيره من النقد الذي قد يشكل جريمة سب او إساءة سمعة او تشهير، فالنقد المباح هو الذي يتطرق لتصرف وقع فعلاً من شخص ما او الحكم على واقعة حقيقية مسلم بها دون التعرض الى شخص المسند اليه وهنا لا تقوم المسؤولية المدنية تجاه الصحفي حيث إن النقد غير موجه للشخص نفسه ولكن موجه الى تصرف صدر منه، ولكن يجب الحذر فالفرق بين نقد التصرفات والأشخاص دقيق جداً. وتمشياً مع معظم القوانين العالمية التي تنظم وتحمي حرية النشر والتعبير، فقد نص نظام المطبوعات والنشر على عدم نشر كل ما يخالف الأحكام الشرعية أو الإخلال بأمن البلاد ونظامها ومصالحها داخليا وخارجيا وعدم إثارة الفتن والنعرات أو المساس بكرامة الاشخاص وحرياتهم أو ابتزازهم أو الاضرار بسمعتهم الشخصية أو التجارية وعدم إفشاء وقائع التحقيقات والمحاكمات الا بعد الحصول على إذن من الجهه المختصة، ونخلص إلى أنه إذا كان المنظم السعودي قد كفل حق الصحافة في النشر وخدمة المجتمع في إطار المقومات الأساسية للدين والوطن واحترام الحياة الخاصة والحقوق العامة، فستبقى قضية الصحفي الأولى هي إيجاد منظومة الحقوق المهنية والقانونية التي تحفظ حقوقه أمام المؤسسات الصحفية وتحميه من مطرقة الشكاوى الكيدية. *المحامي زامل شبيب الركاض