في حوار أجرته جريدة الرياض في العاصمة الأميركية «واشنطن» مع د. توماس كوردسمان، المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية ومستشار الأمن القومي لدى السيناتور جون ماكين، والشاهد على سلسلة من التحديات التي واجهت أميركا وحلفائها في الشرق الأوسط يقول د. كورديسمان أن واشنطن وبعد 75 عاماً من تغير السياسات وظروف المنطقة لا تزال ترى في العلاقة التاريخية مع السعودية حجر زاوية استراتيجيتها في الشرق الأوسط في وقت تخضع فيه العلاقة لتحليلات شعبوية سطحية وبسيطة بعيدة عن الواقع فالولاياتالمتحدة وفي عهد الانعزالية والرغبة بالابتعاد عن الحروب ترى حاجة ملحة لتعزيز علاقاتها الموثوقة ببعض دول الشرق الأوسط وفي مقدمتها السعودية، فبينما توقع البعض من إدارة ترمب أن تدير ظهرها لتحديات المنطقة رأيناها تفرج مؤخراً عن أكبر ميزانية مخصصة للشرق الأوسط في وزارة الدفاع للعام 2020 واضعة استراتيجيات بعيدة المدى تعتمد على التنسيق الوثيق مع الحلفاء وفي مقدمتهم السعودية لافتاً الى أن العناوين العريضة التي تربط العلاقة السعودية الأميركية بالنفط أو تتوقع تراجعها بسبب إنتاج الولاياتالمتحدة للنفط هو تفسير فضفاض وغير واقعي بسبب جملة من التحديات والتعقيدات التي تجعل إدارة ترمب أو أي إدارة أميركية أخرى أكثر حاجة اليوم من الماضي إلى تعزيز علاقاتها مع السعودية في وقت يتحول فيه الشرق الأوسط إلى رقعة مليئة بالمخاطر والتحديات للولايات المتحدة وأمنها القومي وأمن الحلفاء. وفيما يلي نص الحوار: * بعد 75 عاماً من العلاقات الأميركية - السعودية، نشهد تغييراً كبيراً في البلدين وتوجه سياسي أميركي نحو خيارات غير تقليدية مثل دونالد ترمب أو من نراهم من مرشحين غير تقليديين عن الحزب الديمقراطي، كيف ينعكس كل هذا على مستقبل العلاقة بين البلدين؟ * تواجه الولاياتالمتحدة اليوم في منطقة الشرق الأوسط ظروفاً أشبه بتلك التي دفعت واشنطنوالرياض إلى تأسيس العلاقة التاريخية المشتركة حيث يشهد العالم حالة استقطاب وصعود قوى جديدة معادية للوجود الأميركي في الشرق الأوسط في وقت تستمر فيه أكبر تحديات الأمن القومي الأميركي وهي انتشار الإرهاب واتخاذه من مناطق من الشرق الأوسط مراكز انطلاق ضد مصالحنا ومصالح حلفائنا. وفيما بنى ترمب حملته الانتخابية على رسالة «الانعزالية» وأن لا شأن لنا بالدفاع عن الحلفاء وأن الشرق الأوسط منطقة بعيدة عنا وأن الحلفاء يتحملون أعباء الدفاع عنها، نراه اليوم يرصد ميزانية تكاد تكون الأكبر في تاريخ وزارة الدفاع الأميركية لمنطقة الشرق الأوسط، في استراتيجية إذا ما قرأناها بالتفاصيل نرى أن العلاقة السعودية - الأميركية هي حجر الزاوية فيها فكل التحديات التي ترصد واشنطن الميزانية لأجلها هي تحديات مشتركة تشغل بال أميركا والسعودية مثل الخوف من ارتدادات سلوك النظام الإيراني وتحديات الإرهاب من «داعش» و»القاعدة» الذي يستهدف كل من بلدينا حيث رأينا مكتب المفتش العام في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) يصدر تقريراً في نهاية العام الماضي يؤكد أن تنظيم داعش لا يزال يحافظ على قدراته في سورية رغم هزيمة التنظيم وما زلنا نرى الغارات الأميركية حتى اليوم ترصد زعماء خطيرين من تنظيم القاعدة الذي يعتقد البعض أننا قضينا عليه قبل عقد من الزمن تقريباً. في ظل هذه التحديات التي لا يقدر أن يهرب منها أي رئيس أميركي، إذ رأينا ترمب نفسه في السابق يلوم أوباما على الخروج من العراق ما أدى إلى عودة الإرهاب والتطرف، لا تملك واشنطن أقرب من شراكتها العسكرية والأمنية مع الرياض. الواقع الحالي هو أن التنسيق بين بلدينا لإرساء الأمن والاستقرار هو أمر لا يتوقف لتسوية عدة ملفات من فلسطين إلى لبنان وسورية والعراق واليمن وتحديات إيران والإرهاب، واعتبر أن ما يحكى في الإعلام عن تهديد يواجه العلاقة هو «وهم» وحملة ممنهجة لها أسبابها المختلفة بينما الحقيقة هي أن تحديات المنطقة والرؤى المشتركة والتغيير الإيجابي الذي نشهده في السعودية يقودنا إلى عصر أفضل من العلاقات المشتركة سيلمس جوانب جديدة. * هناك أيضاً من يختزل العلاقة بعامل النفط ويتحدث عن إنتاج الولاياتالمتحدة اليوم للنفط من الفحم الحجري.. ما موقع وأهمية النفط في العلاقة السعودية الأميركية اليوم؟ * مسألة فهم أهمية النفط في العلاقة الأميركية السعودية تتعرض أيضاً لنظرة مغلوطة شائعة في معظم الأحيان. أهمية النفط الذي يأتي من دول الخليج ليست بالبساطة التي يراها البعض ولا تعني أن أميركا تحتاج إلى نفط السعودية لتسير سياراتنا وتعمل معاملنا وإن وجدنا بديلاً آخر فإن العلاقة ستنتهي. من الأصح أن نسمي أهمية نفط الخليج بأهمية تأمين الإمدادات النفطية القادمة من الخليج للعالم وهذا أمر يرتبط بجوهر العلاقة السعودية الأميركية. الولاياتالمتحدة لا تحصل على معظم نفطها من الخليج اليوم ولكن تأمين طرق إمدادات النفط من الخليج إلى العالم هو في مقدمة هواجس الرئيس ترمب المهتم بالاقتصاد وهذا الأمان في منطقة الخليج هو الذي يسمح لترمب اليوم أو أي رئيس أميركي قادم بالحصول على اقتصاد أميركي وعالمي ناجح لأن نجاح الاقتصاد الأميركي والعالمي يرتبط بشكل وثيق بالاقتصادات الآسيوية العملاقة المرتبطة بكل تفاصيلها بكبرى الشركات الأميركية وإذا نظرنا إلى مصادر الغالبية العظمى من الطاقة الكبرى دول آسيا فهي حتماً من السعودية ودول خليجية أخرى وبالتالي تأمين استقرار منطقة الخليج وطرق إمدادات النفط هو التزام أميركي يرتبط بجوهر الاقتصاد الأميركي حتى لو لم تكن أميركا تحصل على برميل نفط واحد من الخليج. * نرى أيضاً مشكلة التوتر مع إيران تتصاعد ورؤى مختلفة بين إدارة أميركية وأخرى تجاه الملف الإيراني. كيف تتوقع مستقبل السياسة الأميركية تجاه إيران في عصر ترمب إذا ما فاز في الانتخابات المقبلة أو في عصر رئيس ديموقراطي مختلف؟ * مشكلة إيران أيضاً هي واحد من التحديات المشتركة للرياض وواشنطن منذ مطلع الثمانينات والتي لم يحلها تماماً أي رئيس أميركي ولكن على اختلاف الإدارات وتوجهاتها كان هناك احتواء دائم للمشكلة الإيرانية وعلى الأقل أن استقرار وتطور دول الخليج وحلفاء أميركا الآخرين في المنطقة لم يتأثر بشكل محوري بعبث إيران وكنا دائماً متواجدين مع حلفائنا لردع إيران. بالنسبة لنظرة أميركا لحالة العداء مع النظام الإيراني في عصرنا الحالي باتت أكثر عمقاً لأي إدارة أميركية ليس فقط بسبب الميليشيات التي تسلحها إيران وتنشرها ولكن لأن إيران باتت الأداة والمحور الأساسي بيد النفوذين الروسي والصيني الذي يريد طرد أميركا بطرق مباشرة أو غير مباشرة من المنطقة. اليوم لم تعد إيران مصدر قلقنا الوحيد بل تنضم إليها واحدة من أهم حلفائنا وهي تركيا التي تلعب دوراً خبيثاً توسعياً وتخريبياً يمهّد للكثير من الأزمات القادمة في الشرق الأوسط. بالنسبة للولايات المتحدة والسعودية نشترك في عدم رغبتنا بالغوص بمغامرات تركياوإيران وتجاربهم للحصول على النفوذ والتوسع فحتى النظرة الداخلية للشعبين اليوم تذهب باتجاه التفكير بالإعمار الداخلي والاقتصادي والثقافي والتمكن من تحقيق الأرباح والمكاسب الدولية في محطات إنسانية وتجارية وتكنولوجية بعيدة كل البعد عن الحروب في وقت تملك فيه أميركا المزيد من الاهتمام بالعلاقة مع السعودية في ظل رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يجعل السعودية في مقدمة الدول التي تسهم إيجاباً في الساحة الدولية عبر توجيه موارد السعودية وطاقاتها بالقطاعات المفيدة التي تجعل حياة المواطن السعودي أفضل ودور السعودية العالمي إيجابي، وبالتالي التقارب الأميركي - السعودي لردع النفوذ الإيراني المعادي وما يلوح بالأفق من مخاطر تنبأنا بها تصرفات النظام التركي هي أمر سيستمر وإن اختلفت الآلية باختلاف الظروف. * وأخيراً…. هناك من يرى في عهد الانتخابات والتغيير الأميركي خطر على العلاقة الأميركية السعودية.. كيف نقرأ التصريحات السياسية للمرشحين بمن فيهم ترمب تجاه العلاقة السعودية - الأميركية ومستقبل استراتيجيات أميركا في الشرق الأوسط؟ * الكلمات التي قالها ترمب في مناسبات عديدة لم تكن أكثر من ترويج سياسي لنفسه وهذا رأيناه مثلما ذكرت سابقاً في ميزانية الدفاع الضخمة للشرق الأوسط، والكلمات التي يقولها اليوم بيرني ساندرز وهو المرشح الديموقراطي الأبرز اليوم لا يعني أنها ستصبح سياسات حقيقية إذا فاز في الانتخابات. تكاد تكون الوعود الانتخابية لمختلف الرؤساء الاميركيين وخاصة تلك المتعلقة بالسياسات الخارجية للشرق الأوسط هي الأكثر بعداً عن الواقع والقدرة على التحقق ليس لأنهم بالضرورة يكذبون ولكن لأنهم بعيدين عن الواقع والحقائق على الأرض حين يكونون خارج البيت الأبيض. أوباما تحدث في حملاته عن صفقات الأسلحة مع السعودية ثم بالنظر إلى عهدين رئاسيين قضاهما أوباما في البيت الأبيض نرى أن صفقات السلاح السعودية كانت ترتفع بدلاً من أن تتراجع. جوهر ما يهتم به الناخب الأميركي هو السياسات الداخلية من تأمين برامج رعاية صحي عادلة وتعليم جيد وفرص عمل وهذا كله مرتبط بالحفاظ على اقتصاد أميركي متين ومفتاح العلاقة السعودية الأميركية هو بالأصل الحفاظ على استقرار الاقتصاد والأمن العالمي وليس شن الحروب، ورأينا كيف يتأثر الاقتصاد العالمي بأزمات الشرق الأوسط في الأزمة الاقتصادية العالمية بعد الفوضى والحرب في العراق. جميعنا مثلاً نريد السلام في اليمن ولكن لا أحد يعرف كيف يصلح حال اليمن حتى الولاياتالمتحدة وإدارة أوباما التي لم توقف دعمها للسعودية في حرب اليمن لأن أوباما فهم أسباب الحرب من الداخل وخطر تأثير تنامي نفوذ جماعة كالحوثيين على أمن السعودية والمنطقة واستقرار الاقتصاد العالمي وإمدادات سوق النفط. هناك قصور كبير في فهم تعقيدات الشرق الأوسط وصعوبة التغلب على التحديات فيه من قبل السياسيين قبل أن اختبار الوضع عن كثب. حين التقى الرئيس روزفلت بالملك عبدالعزيز آل سعود وأراد تأسيس علاقة مستدامة مع السعودية كانت التحديات وأسباب الحاجة لهذه العلاقة ملحة ولكن أقل إلحاحاً بكثير مما نواجهه اليوم. العلاقة السعودية - الأميركية هي واحدة من أنجح وأمتن الجسور القديمة التي مدتها الولاياتالمتحدة مع القوى المؤثرة في العالم وهذه العلاقة لم تفقد حتى اليوم أسباب وجودها بل اكتسبت مع الوقت المزيد من الأسباب المهمة لتصمد في أي عهد وبصرف النظر عن الظروف.