بالإمكان أن تتغاضى عن سخافات من نطلق عليهم «مشاهير» التواصل الاجتماعي، رغم خطر الكثير منهم على التركيبة الثقافية الاجتماعية، وهذا الأمر أصبح شبه محسوس، مع تقليد الكثير لهم من صغار وكبار وتقمص تفاهات بعضهم، واعتبار ما يقومون به «خفة دم» تجعل الناس تنجذب لك وتحبك. أقول بالإمكان التغاضي، لأننا مخيرون بعدم متابعة هذا الغثاء، ولكن ما لفت انتباهي وتكرر كثيرًا بكل حسرة وأسف، أن تشاهد أحدهم بكل ما يقدمه من تفاهات، يقدم لمتابعيه المحامي الذي يتعامل معه، فشاهدت مثلاً شخصاً وقوراً ويحمل شهادة الدكتوراه بالمحاماة، يظهر وبفخر وابتسامات لا تسعها شاشة الجوال أنه المحامي الخاص لهذا التافه، الذي يقدم محتوى أكثر من تافه وهذه حقيقة للأسف، رغم أن هذه التفاهات جعلته مِن مَن يسمونهم المؤثرين على تطبيق «سناب شات»، والأدهى من ذلك حجم الإعلانات التي يقوم بها ومئات الألوف التي يجنيها من محتواه الذي يقدمه، والتي جعلت هذا المحامي يستسلم أمام أعداد متابعيه ويفتخر أنه محاميه الخاص، ويؤثر بذلك على هذه المهنة الراقية، وهذا الأمر ذكرني بالمحامين المتخصصين بقضايا المخدرات بمصر، وتناولتهم السينما المصرية في العديد من الأفلام، ولكن هؤلاء نحترم تخصصهم على الأقل، أما من شاهدته وغيره ممن انجر خلاف من يسمون «المشاهير» فوضعهم محزن ويحتاج للأمانة لوقفة ضد ظهورهم بالصورة التي شاهدتها وسببت لي بكل أمانة، ألماً وحسرةً لما وصلنا إليه من مشهد عبر وسائل التواصل الاجتماعي لا يليق بما نطمح له مستقبلاً، كمجتمع منتج ومجتمع خلاق، وليس تافهاً! الكثير تحدث عن لوثة «المشاهير» ووصل بنا الأمر ليتصدروا المناسبات المهمة، وتوهم البعض أنهم أفضل الوسائل الإعلامية والإعلانية للوصول لجميع فئات المجتمع، وفقدنا الثقة بالوسائل الإعلامية والإعلانية الرصينة، فنتج عن ذلك عدم مصداقية، وعدم وجود قياس حقيقي بصورة علمية لأثر الإعلان والإعلام لدينا، حتى وصل البعض -من الجهل الذي أصبح يحيط بنا- أن يتوقع أن أثر هؤلاء تعدى النطاق المحلي، وأصبح أثرهم دولياً، وتوهم بعض هؤلاء المشاهير بهذا التوهم، وخصوصاً عندما يدلون بدلوهم في بعض القضايا السياسية، وتجده يتحدث وكأنه د. فيل ماكجراو، أو بعضهن كأنهن أوبرا وينفري، لذا لابد من تحجيم وإعادة صياغة الذوق العام على كافة وسائل الإعلام، فالتافهون سيسخرون مئات الألوف التي يجنونها بتفاهاتهم لعمل أشهر المحامين تحت خدمتهم، وبذلك سيردعون من يحاول أن ينتقد خروجهم عن النص أو قلة ذوقهم تحت ذرائع قضائية سيوفرها المحامون الذين سيكسبون المال والشهرة مع هذه النوعية من البشر، ولا يهم بذلك أي معيار إعلامي أو أخلاقي أو مهني.