ما الذي حرص الشعراء على بقائه فكثرت أشعارهم ورددوه بحماسة وشعور ملتهب؟ هل يريدون شيئًا عامًا لا حدود له ولا يمكن الوصول إليه، أم أن اختصار مرادهم يمكن أن يكون في عبارة قصيرة؟ الواقع أنه يمكن اختصار مرادهم، فهم يريدون المحافظة على روح الحياة، تلك الروح التي أرادوا أن تبقى يقظة مشتعلة لا يمسها من التغيرات مس ولا يشوبها كدر ولا تختفي معالمها. روح الحياة ليست شيئًا خياليًا عائمًا، ولكنها النبض الذي يشعر به كل منا، واستقامة الأمور وعدل الموازين بحيث يكون كل من يستحق المكانة والمكان يكون فيه والبعد عن التناقض، وقد تشعبت أغراض الشعر تلملم في هذه الجوانب لكي تصل بها إلى مصب واحد وطريق واحد وعبارة مختصرة توصل المراد، وما زال الشعراء في حرص على ذلك التوازن وشحذ الهمم لبقاء الخير وجوانب الطيب وقادة لا يتوقف مددها، وحذروا من عكس ذلك وهو التردي والتقاطع والجفوة أو غياب النصرة والتعاون والتقارب ومقتوه بكل ألفاظ الزجر. واعتبروا الحياة بروحها النابضة مصدر سعادة، ولا تكون نابضة إلا أن يقدر فيها أهل المروءة وفاعل الخير وصاحب النخوة ومن يهتم بأمر من حوله، والعكس في حال تصدر الرعاع وغياب الأخيار وظهور الجفوة فإن روح الحياة تموت. يقول الشاعر محمد الدهيمي: غدر الصحيب وطمعة الشاة فالذّيب صارت وهذا يا فوادي زمنها الوقت لزم اهل الوفا بالتلابيب واهل العلوم الهينات احتضنها ولاحق تحت قدر الرخوم المشاهيب ونار الوفا غيّم عليها دخنها وساوى مقام الثايرة بالمكاذيب وصلّى على روح الحياة ودفنها يالله ياسامع دبيب الدباديب يامن سفينة نوح فالماء وزنها تعين من يمشي على منهج الطيب وتمكنه من حاجةٍ ما مكنها هذي سنه وانا اتحرى المناديب واخيل بارق شامها مع يمنها وأحوز عن محيالة الشك والريب والمشكلات أحلها وامتحنها ون دندنت بين الضلوع الهناديب وضعفت هدايتها وقويت فتنها وتكدرت من زوبعتها المشاريب والخوف خيم فالمعاليق منها احترت والانسان ما يعلم الغيب وخفت إني اشريها ولا اقدر ثمنها ولجيت للمولى مجيب المطاليب اللي مقاسيم الابنادم ضمنها ثم للعقول اللي بنتها التجاريب اعقول قومٍ مالها مافتنها والشور ماهو لاجهالة ولاعيب حكمة رجال ومن تعومس زبنها تحط لك فالجال الاملس مقاضيب ولحية ابليس اتلّها وتحسنها لاخذتها من مكملين المواجيب اللي بدين الله تامر وتنها والمعرفة حظ ونصيب ومواهيب ومجلس رجالٍ جهلها ماسكنها والعبد ذيبٍ والخطايا مراقيب ماله ليا سلم الصواديف عنها والرجل بيتٍ والمراجل مناسيب لا صانها وبطاعة الله قرنها وللشيخ ضيف وللهزالا معازيب ولايقني الخلفة محرّم لبنها وام الغصون المورقات الرواطيب لا ظمي واردها تهاوت شبنها وسيل المخايل سحّ واللا مساريب كم من شعوبٍ شالها من وطنها وصلاة عبّاد الريا فالمحاريب تهفيه لاجت جثّته في كفنها واللي ربت بين الضلوع المحاديب غنيتها وش رايكم في لحنها؟ ولا يحتاج الكشف عن الرأي فيما قال الشاعر محمد الدهيمي، فالعبارات مهما بلغت من بيان لا تفي بالإشادة بمثل هذا الوضوح والشمول والبيان، وبما تضمن من تعبير حار وموفق بشعوره وإحساسه الذي جعل من روح الحياة مدارًا له، والحفاظ على تلك الروح من أولويات مهماته كشاعر يشارك مجتمعه همومه ويشعل شموعه. ولا تخلو قصيدة أي شاعر من التأكيد على الحفاظ على جوانب الطيب والمروءة والشهامة باعتبارها الوقود الذي يبقي روح الحياة حية في المجتمع، والشاعر بلا شك من أجل مهماته الحرص على رفعة مجتمعه والفخر به، وتلمس ما يعزز جوانب الخير فيه، وأيضا الدفاع عنه ورفض كل ما يسيء له أو ينقص من قدره. الشاعر محمد الدهيمي ناصر الحميضي