في مشهدٍ جمع بين الأصالة والثقافة، في ليلة من ليالي شتاء العُلا البرية.. استقبل وليّ العهد السعودي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله - رئيس وزراء اليابان شينزو آبي في مخيمه الشتوي في مدينة العُلا التاريخية، وتبادل معه مباحثات وأحاديث متنوعة حول العلاقات الثنائية بين البلدين، متنقلة بين المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية والثقافية، وفق الرؤية السعودية - اليابانية 2030. أقيم هذا الاستقبال في منطقة تاريخية، وبأجواء تحيي تراث المملكة العربية السعودية، وسَطَ ترحيّب من فِرَق شعبية قدّمَتْ عروضًا فنية من التراث الشعبي الذي يقام في المناسبات السعودية قديمًا، ما جسّد أسمى معاني الفخر بالأصالة العربية، وما تتسم به من جمال ممزوج بالبساطة. ويُعَدُّ هذا الاستقبال وسامًا ثقافيًا تزيّن به صدر المملكة العربية السعودية في ميدان نشر الثقافة الشعبية العريقة، التي تولّدَتْ في ربوع المملكة العربية السعودية، وشكّلتْ طابعًا تراثيًا أصيلًا. فمع تقدم المملكة ومواكبتها للحضارة التي يشهدها العالم الآن في جميع جوانب الحياة، ورغم التطور في المباني والعمران، إلا أن هذا الاستقبال لأعظم دول العالم تقدمًا وحضارة، في أحضان الصحراء وتحت ستار التاريخ هي رسالة ثقافية عظيمة، تحكي في مضمونها أن الحضارة تَكونُ أكثر قوة وصلابة عند اعتزازها بتراثها، وافتخارها بماضيها العريق، فكيف إذا كانت تلك الحضارة ليست حضارة شعب أو عصر فقط، بل هي أيضًا حضارة إنسانية لا تملكها أي دولة في العالم.. ويعد نشر الثقافة والاعتزاز بها جانبًا من جوانب تحقيق التنمية المستدامة التي تتطلع لها كل دولة تسعى إلى الارتقاء ببلدها، وجعل اسمها لامعًا بين الدول العظمى، ولتحقيق ذلك لا بد لها من عرض طابعها الثقافي والحضاري أمام الآخر بكامل مكوناته الأنطولوجية والدينية والتراثية بثقة واعتزاز؛ وذلك ما يبني للدولة نسقًا ثقافيًا مميزًا، كما يحقق نشر ثقافة الدولة تنمية اقتصادية وتوطينًا للمكانة السياسية لها، ناهيك عن التنمية البشرية المستدامة والمتمثلة في تنمية الإنسان عقليًا ووجدانيًا؛ إذ هي رغبات تحتاجها جميع الشعوب في سبيل الارتقاء الإنساني، التي تكوّن النتاج المعنوي والروحي للإنسان، وتتمثل في الدين والفكر والإبداع والفن. ويشكل البناء العمراني والحضارة النتاج المادي للإنسان، وهذان النتاجان بأشكالهما المتعددة والمرتبطان بالجهد الإنساني المتكوّن مع الزمن من خلال العمل الدؤوب هي عوامل أساسية تسهم في رفع مستوى البلاد والأفراد سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا. إن المملكة العربية السعودية حضارة بَنَتْ أمجادها بعزٍّ وفخرٍ، مدركة أهمية المحافظة على إرثها في ترسيخ القيم العربية الأصيلة، ساعية إلى إبراز الهوية الوطنية والاعتراف بها. فنحن حاضر يعانق السماء بجذورٍ ثابتة في باطن الأرض. أفلا يحق لنا أن نفخر بهذا المجد ونقدمه للعالم؟!