عندما يمنحك رئيسك المباشر إجازتك السنوية فإن أول ما تفعله هو ان ترفع سماعة الهاتف مبشراً الزوجة والأبناء بقرب موعد الإجازة وهذا شعور جميل ينتابنا جميعاً نحن الرازحون تحت رحمة رؤسائنا في الإجازات السنوية وغيرها.. وبعد الموافقة يتبادر إلى ذهنك سؤال مهم مفاده: ما هي المهمة التي ستنجزها خلال هذه الإجازة مع زوجتك وأبنائك؟ هل مهمتك ستنحصر في البحث عن مكان آمن للسياحة في أحد البلدان الخارجية - أسوة بالأكابر - أم أنها ستكون رحلة داخلية يتحقق لك فيها الراحة والاستجمام وتسعى إلى تقوية الروابط الأسرية بينك وبين أفراد أسرتك أو قد يكون غرضك من هذا السفر هو الاستفادة العلمية للأبناء وإلحاقهم بأحد معاهد اللغة الإنجليزية أو الحاسب الآلي وبالتالي يكتسبون معارف جديدة. ولعلك تستدرك، بعد تحديدك لهذه المهام بسؤال مهم: ما هي القيم التي قد تضاف إلى أفراد أسرتك بسبب هذه الرحلة: هل هي الراحة النفسية أم أنها ساهمت في الرفع من مستوى التعامل فيما بينهم؟ أم أنك ستجدها فرصة ثمينة لخلق مزيد من العلاقات الإنسانية والتعرف على بعض عادات وتقاليد الشعوب والبلدان؟ إنك من خلال ادراكك لمهام هذه الرحلة والقيم المتوقع اكتسابها قد كونت لنفسك تصوراً مستقبلياً لما ينبغي ان تكون عليه الرحلة ونتائجها المتوقعة وما عليك إلاّ ان تحلل العوامل المؤثرة في اتمام هذه الرحلة الخارجية منها كالطقس وحالة الطريق والداخلية كحالة المركبة المستخدمة، ومن سيقود السيارة والمدة الزمنية التي ستستغرقها الرحلة، وتحدد الطريق الذي ستسلكه باستخدام خرائط الطريق وعدد مرات الوقوف ومن سيتولى القيادة في كل طريق والحجوزات ان كان هناك حجوزات تتطلبها الرحلة وما هو حجم الميزانية المقرر انفاقها للقيام بهذه الرحلة؟ الآن وقد انطلقت الرحلة على بركة الله (مرحلة التنفيذ) حسب الخطة المكتوبة مع الوضع في الاعتبار الظروف غير المتوقعة التي تتطلب المرونة في حالة ما إذا كان هناك طريق تحت الإنشاء أو هناك حفريات لا تسمح باستخدام طريق بعينه، ولعلك بعد العودة من إجازتك تقوم بعمل تقييم شامل للرحلة وفوائدها وما أنفقت خلالها. هذه الرحلة العائلية التي بدأتها بتحديد المهام ثم معرفة القيم المكتسبة وتحديد الرؤية المستقبلية (ماذا تريد من وراء القيام بهذه الرحلة؟) وكذلك دراسة العوامل الخارجية والداخلية التي قد تؤثر في سيرها وتحديد الوسائل الموصلة إلى النتائج المطلوبة ومعرفة الميزانية المرصودة لها وخطة التنفيذ المكتوبة التي أقرها الجميع وأخيراً التنفيذ الفعلي وفقاً للخطة الموضوعة مع المرونة في تعديلها كلما اقتضت الحاجة ذلك، تمثل أنموذجاً عملياً للكيفية التي تعد بها الخطة الاستراتيجية لأي منظمة سواء كانت ربحية أو غير ربحية، فما هي إذن الاستراتيجية؟ لقد قرر خبراء الإدارة ان الخطة - أي خطة - لا تكون استراتيجية إلاّ إذا توفر لها العديد من العوامل، أجملها فيما يلي: - مدخلات ذات قيمة عالية تثري مضمون الاستراتيجية. - الدعم اللامحدود من الإدارة العليا للمنظمة. - أن يكون الدافع لها مواكبة التغييرات الخارجية والداخلية المحيطة ببيئة المنظمة. - أن تخلق تصوراً واضحاً عما ستكون عليه المنظمة مستقبلاً. - أن تحدث تأثيراً واضحاً في المستفيدين من خدماتها (عملاء أو مساهمين) وفي مستويات التشغيل ومستويات الأداء للأفراد والمديرين. - الاستفادة القصوى من كافة الموارد البشرية والمادية والتقنية والتشغيلية التي ستساهم في تنفيذها. يعتبر التخطيط الاستراتيجية علماً حديثاً له مفاهيمه ومبادئه بل يعتبر من أكثر الظواهر وضوحاً وأقلها ادراكاً ولا أريد التعمق كثيراً في هذه المفاهيم والمبادئ بل سأركز على الاستراتيجية من حيث التخطيط لها وفوائد التخطيط الاستراتيجي والإطار العام للتخطيط الاستراتيجي. وعندما يطرح موضوع التخطيط الاستراتيجي للنقاش فلا غرابة في وجود العشرات ممن يجيدون الحديث عنه كظاهرة من الظواهر الإدارية المتقدمة، والسؤال الذي يطرح نفسه: إلى أي مدى يتفاعل هؤلاء مع التخطيط الاستراتيجي فكراً ومضموناً وبالتالي يدركون أهميته وتأثيره على المنظمات التي يعملون بها؟! والداعي الحقيقي للاهتمام بالتخطيط الاستراتيجي كوننا نعيش في عصر أصبحت القوة الحقيقية فيه هي المعرفة والتكنولوجيا أو ما يعرف بعصر العولمة الذي يتسم بسرعة التغيير وما أفرزته من تحديات معرفية وسلوكية وإدارية وتنظيمية. وان من لم يواكب هذه التغييرات سيعيش خارج عصره وسيغرد خارج سربه. ان الأخذ بالتخطيط الاستراتيجي هو الوسيلة الوحيدة لمواجهة مثل هذه التحديات ومجابهة سرعة التغيير وارتفاع وتيرته والاستعداد لمواجهة الضغوط الحالية الواقعة على هذه المنظمات نتيجة العولمة وبناء الحاضر من أجل المستقبل عن طريق وضع استراتيجيات محددة الأهداف للتعامل مع المتغيرات المتسارعة في كافة مجالات الحياة المختلفة. يعد مفهوم التخطيط من أهم المفاهيم الإدارية التي لاقت شيوعاً واستحساناً في السنوات الأخيرة في المؤسسات الحديثة باعتباره عملية منظمة تعتمد على الأسلوب العلمي في تحديد مسار العمل وزيادة الكفاءة والفاعلية للمنظمة. ومازلنا نأمل في مزيد من الادراك لأهميته وضرورته في تحقيق النجاح لكافة المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية، أما الاستراتيجية فإنها تدور حول الاجابة عن التساؤلات التالية من نحن؟ أين نحن (الوضع الراهن)؟ إلى أين نريد الوصول (الرؤية المستقبلية)؟ ماهي الموارد المتاحة لتحقيق ذلك؟ كيف الوصول إلى حيث نريد (طريقة الأداء والوسائل والأهداف)؟ وما هي الفترة الزمنية اللازمة لذلك؟ من سيكون المسؤول عن التنفيذ والإشراف والمتابعة والتقييم؟ ما هو حجم قاعدة البيانات أو المعلومات اللازمة لرصد فرص التقدم والتحديات وتحديد عوامل القوة والضعف بالمنظمة، ما مدى قدرة المنظمة على استقراء المستقبل وقراءته قراءة جيدة؟ وكون التخطيط يتعامل مع المستقبل فإن له حدوداً لخصها (ونستون تشرشل) في قوله (انه من الحكمة ان تخطط، ولكن من الصعوبة بمكان النظر إلى أبعد مما تستطيع رؤيته فعلاً). والقصد من هذا ان يكون هناك واقعية في اعداد الخطة الاستراتيجية والبعد بها عن الخيالية والمبالغات غير المبررة. أعود الآن لمفهوم الكلمتين السابقتين: (التخطيط) و(الاستراتيجية) إذا جمعناهما في عبارة واحدة فإنها تعني (التخطيط الاستراتيجي) فإن المقصود بها العملية التي يقوم فيها المسؤول عن المنظمة والمشاركون له في عملية التخطيط بوضع تصور لمستقبل المنظمة وتطوير الإجراءات والعمليات والوسائل الضرورية لتحقيق ذلك التصور المستقبلي في الواقع وما يرتبط به من الاستجابة لتلك التغييرات الحاصلة في البيئة الداخلية والخارجية المؤثرة على أداء المنظمة من خلال استخدام الموارد والمصادر بصورة أكثر فاعلية. ولعله من الضروري جداً ان نذكر الفوائد التي قد تجنيها المنظمة من إعداد خطة استراتيجية، ومنها: - تركيز العاملين في تطبيقها وكذلك الاستخدام الأمثل لموارد المنظمة بما يحقق أعلى مستويات التشغيل بكل كفاءة وفاعلية. - بناء فريق عمل جيد من كافة المستويات (الإدارة العليا - المتوسطة - الدنيا) يساهمون في إنجاز الخطة الاستراتيجية. - تعريف كافة أعضاء المنظمة من مسؤولين وأفراد بخطط المنظمة لغرض ضمان مشاركة الجميع على اختلاف مستوياتهم والحصول على إجماعهم ورضاهم. - منح الاحساس لجميع المشاركين في تنفيذها بأنها منهم وإليهم (الشعور بالملكية) وبالتالي يتحقق ضمان التنفيذ وتقل درجة مقاومة التغيير إلى أدنى مستوياتها. - المساهمة في تحسين سمعة المنظمة وتعزيز ثقة العملاء بها وضمان أعلى مستويات الجودة وتقديم خدمة متميزة للمستفيدين منها. وأخيراً، هناك حقيقة لابد من ذكرها وهي أنه لا يوجد خطة استراتيجية مثالية مجمع على صحتها ودقتها وخلوها من السلبيات أو غير قابلة للانتقاد! ولكن لابد من مراعاة خصوصية كل منظمة عند إعداد الخطة الاستراتيجية. وللمنظمة ان تحدد إطاراً معيناً للخطة الاستراتيجية المراد إعدادها بما يناسب ظروفها ووضعها التشغيلي، حيث ان هناك العديد من المداخل الاستراتيجية المبنية على أساس الأهداف أو على أساس النشاط أو على أساس اختيار سيناريو معين لأحد الأنشطة أو قد تكون الخطة الاستراتيجية مزيجاً من ذلك كله. ان الخطة الاستراتيجية ليست عصا سحرية تسلطها المنظمة على مواطن الخلل فتتغير الحال عما كانت عليه بل هي وسيلة، تطبيقها يعني قدرة المنظمة والقائمين عليها على رسم مستقبلها وإمكانية الاستمرار في ظل المنافسة الداخلية والخارجية. ولابد للمخططين الاستراتيجيين ان يدركوا ان هناك ثلاثة أمور لا يمكن للخطة الاستراتيجية ان تكون بديلاً عنها مهما كانت جودة صياغتها ودقتها وواقعيتها، وهذه الأمور هي: - أنها ليست بديلاً للقيادة الإدارية الواعية. لأن القيادة تعني التأثير في الآخرين وقيادتهم نحو تحقيق أهداف المنظمة. والخطة الاستراتيجية لا يمكن ان تنفذ تلقائياً دون وجود قيادة إدارية حكيمة. فإن لم توجد هذه القيادة فإن الخطة الاستراتيجية مآلها الفشل أو أنها ستبقى حبراً على ورق. - ان الخطة الاستراتيجية ليست بديلاً عن الأداء المتميز لكافة العاملين في المنظمة. ان الأداء المتميز مسؤول عن تنفيذ وتطبيق البرامج والأنشطة التي تساهم في تحقيق أهداف المنظمة والأداء المتميز ينبغي ان يتفق مع ما جاء في الخطة الاستراتيجية من أهداف. - ليست الخطة الاستراتيجية بديلاً عن الوظائف الإدارية المعروفة من تخطيط وتنظيم وتطوير وتوجيه وإرشاد ومراقبة للأداء وتدريب وتقييم. فوجود الخطة الاستراتيجية لا يعفي الإدارة من الاستمرار في أداء هذه الوظائف. والله من وراء القصد،،،