إن كثيرًا من الكتابات والانتقادات هي من قبيل الاعتناء بالشوك في النبتة حتى تكبر فلا ينتفع من ثمرها ولا من جمالها أحد، وهو عين ما تصنعه بعض الأقلام والألسن لتشويه أحدٍ ما، يعتنون بما يرونه أخطاء ويجمعونها، بل ربما غذوها بطريقة وبأخرى؛ لأن المراد هو الإقصاء والتشويه وليس الإصلاح.. حين نجد في مزارعنا من يعتني بشوكها، ويتيح للشوك منع الناظرين من التلذذ والابتهاج بثمارها وجمالها، فإنها ستصبح مزرعة أشواك ويغلب عليها الاسم حتى ينصرف الناس عن الانتفاع بها، وهو ما نجده أيضًا في تقويم الناس عند انتقاد الخطأ، فإنا نجد «نقاد النقاد» وهم من ينشغلون ويشغلون الآخرين عن الخطأ والضرر بالاعتناء بما يعتبرونه خطأ وقع فيه الناصح أو الناقد، ثم يجعلون تلك الجزئية حديث الساعة ولب البضاعة، ويصنعون من ذلك أمواجًا متضاربة ومتعاكسة من الآراء والمجادلات والاتهامات والإساءات، وهم بذلك يدافعون عن الخطأ من حيث شعروا أو لم يشعروا، ولا شك أن الأخطاء متفاوتة من حيث ضررها على المجتمعات، ونحن حيث أجمعنا وطنيًا وسياسيًا ودينيًا على نبذ ما يسيء لصورة الوطن والدين، واعتبرنا ذلك واجب الجميع دون استثناء، فإنا نجد البعض لا يروقه وجود فلان وفلان من الناس في صف الإجماع المجتمعي يتمنى بقلبه ويسعى بقوله وحرفه إلى شيطنة من لا يروقونه لحاجة في نفسه، أو لأنه كما قيل: سأترك بابًا أنت تملك أمرَهُ ولو كنتُ أعمى عن جميع المسالكِ فلو كنتَ بوابَ الجنان تركتُها وحوّلتُ رجلي مسرعًا نحو مالكِ فهذه النفرة غير المفسرة إلا بحروفها لا ينبغي لنا ولمن وجد مساحة لرأيه أن يجسدها في كتاباته وأقواله، وإلا لما صفا لنا أحد، وليس من أحد إلا وعنده ألفة لبعض الناس ونفرة عن آخرين، وهو ما فسره رسول الله - صلى الله عليه وآله - في الحديث «الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف»، وهذا اختلاف المجالسة والألفة، ولا تبيح تتبع أخطاء الآخرين والاعتناء بإظهار من لا تأتلف معه المظهر الذي رسمته عنه في قرارة نفسك، فهو عند آخرين كما هو أنت مقبول ومألوف ومحبوب ومرغوب. وعود إلى ذي بدء فإن كثيرًا من الكتابات والانتقادات هي من هذا القبيل؛ أي من قبيل الاعتناء بالشوك في النبتة حتى تكبر فلا ينتفع من ثمرها ولا من جمالها أحد، وهو عين ما تصنعه بعض الأقلام والألسن لتشويه أحدٍ ما، يعتنون بما يرونه أخطاء ويجمعونها، بل ربما غذوها بطريقة وبأخرى؛ لأن المراد هو الإقصاء والتشويه وليس الإصلاح، ولا يقتصر الأمر على الاعتناء بأخطاء وتجاوزات الأفراد، بل تعدى إلى استهداف شرائح أوسع، وهو ما نراه أيضًا عند بعض الجماعات المتطرفة من تجميع الفقه المتشدد والمتطرف وحصر الآراء المتفرقة في المذاهب في إطار يعرفون به ثم ينسب ذلك للإسلام، وهي صورة لم تكن بعيدة عن تغذيتها ممن يريدون تشويه الإسلام وتحقيق مآرب سياسية وعسكرية بتلك الجماعات كما هو الحاصل من «داعش وأخواتها»؛ حيث نرى الصورة هي الصورة التي رسمت في بعض الآراء الفردية والاجتهادات الشخصية في فقهنا الإسلامي، آراء أقل ما يقال فيها «أخطأ» العالم فلان، أو كان رأيه في وقت ناسبه، أو لم يراعِ أنه سيستغل مستقبلًا، وليس الكلام هنا فهذه طبيعة البشر وميزة العلماء أن يجتهد فيخطئ أحيانًا، وإنما الكلام عن الاعتناء بتلك الآراء وتنميقها حتى تنبت شجرة مشوكة ضررها أكبر وأعظم من نفعها، وهو ما نتحدث عنه، فإن أعداء الوطن لا يجدون الوسيلة والأدوات الناجعة التي تقل فيها خسائرهم وتحقق أهدافهم أكثر من الاستفادة من شوك المزرعة وتجميعه وتربيته والاعتناء به، وبعد ذلك تهيئة أقلام ومنصات إعلام لجلد وانتقاد كل من يسمي الشوك شوكًا، أو يقول إن الشوك أنبتته المزرعة، وهو يظن أننا نذم المزرعة، وكان المفترض أن يفهم أن الذم هكذا أو هكذا واقع على الشوك ومن جمعه واعتنى به. هذا، والله من وراء القصد.