الشخصية الروائية تلعب دوراً رئيساً ومحمورياً في تأثيث الفضاء الروائي، وهو ما يقتضي من السارد أن يكون مجيداً للعبة الفن السردي، وأن يتعامل مع شخوصه بحذر وانتقائية بالغين، حتى يسهم في إحكام البناء الروائي لعمله ولمتنه الروائي، من دون ترهّل أو ثرثرة تفسد الحبكة الروائية. وقد عني الروائيون على اختلاف مواهبهم وقدراتهم الإبداعية بدراسة تلك الشخصيات سعياً لتجويد متن الحكاية والاستفادة من مضمرات النص وشخصياته استفادة قصوى من دون أن يقع في فخ الترهل أو المجانية أو التقريرية والمباشرة. إلا أنّ علاقة الروائي بأبطال رواياته التي يكتبها علاقة معقدة؛ فالبعض يصف تلك العلاقة بالحميمية الفائقة مع شخصياته الروائية، بل البعض يقول إن شخصياته تزوره في المنام، والروائي الفرنسي بلزاك عندما كان يحتضر طلب أن يحضر الطبيب ليعالجه وذلك الطبيب لم يكن سوى أحد أبطال رواياته. لكن هل يشعر الروائي بالخجل من شخصياته الروائية التي يكتبها لأنه جعلهم يقولون عنه ما لا يجرؤ هو على قوله؟ في ظل هذا السؤال كانت هنالك العديد من الإجابات الروائية المختلفة فالروائي السوداني أمير تاج السر يؤكّد على هذا الأمر ويقول: نعم، مؤكد شعرت بذلك في الروايات التي تwتحدث عن مدينتي التي نشأت فيها، مثل رواية العطر الفرنسي التي فيها فقرات كثيرة، وردت على لسان «علي جرجار»، منها سخريته من بعض المواقف والسياسات في المدينة، وربما كان هذا رأيي الشخصي. وفي المقابل فإن الروائي أمير تاج السر يشعر بالامتنان للكثير من شخصياته الروائية التي كانت تقوله عنه: كثيراً، فالشخصيات الروائية أو لنقل بعضها، يحمل وزر ما أراد الكاتب قوله أو فعله، بلا تذمر، أنا ممتن لعلي جرجار في العطر الفرنسي، وللروائي أ.ت في صائد اليرقات، ولشخصية الروائي أيضاً في رواية طقس. نجوى بن شتوان: شخصيات أبطالي تنطق بما أريد أما الروائية الليبية نجوى بن شتوان تنفي شعور الخجل من شخصياتها الروائية تماماً وتقول: لا لم يحدث أن شعرت بأي خجل أو شعور آخر، وأنا أخلق شخصيات وأجعلها تنطق بما أريد.. كنت صانعة حكايا وحائكة قصص، علي فقط التفكير في الإجادة، لكني قد أكون تضامنت مع مصائر البعض منها وأنا أراها تتداعى. وهي ترى بأن شخصية النهر في رواية «مضمون برتقالي» هي أكثر الشخصيات التي اعتمدت عليها في أن تقول عنها، لكنها تتحفظ عن الامتنان لشخصياتها الروائية ما عدا إحدى الشخصيات في رواية زرايب العبيد: ليس تماماً.. لكني في زرايب العبيد أشعر بالامتنان لشخصية غامضة رأيتها في الصورة التي أوحت لي بالعمل، تبلورت تلك الشخصية كي تصبح عتيقة فيما بعد. الروائية الإماراتية سارة الجروان التي تشعر بالسعادة عندما تفرغ من كتابة شخصياتها الروائية تقول: لا أشعر بالحرج البتة من ذلك الحوار الذي أتخلقه على ألسنة شخصياتي، غالباً ما أشعر بسعادة إذ أفرغ بعض شحنات تثقل مفكرتي، إذ تغيبني فكرة ما قد يتجاسر اللسان عن طرحها علانية لإصلاح عطب اجتماعي ما، فأرى من المفيد جدا طرحها من خلال أحد الشخوص الذي يتصدى بكل هيلمانه كونه «البطل» وليس بالضرورة أن ألقن شخصية ما حواراً منقولاً فقط من أجل التباهي أو الإفراط في الظهور، بحسبي الحوار هو مادة النص التي تجسد أطروحته التي تنتهي بتلك الحكمة المراد تمريرها من قبل الروائي. الروائي السعودي خالد اليوسف والذي ينفي بأن هناك بينه وبين شخصياته الروائية مسافة حيث يقول: ليس هناك مسافة قطيعة أو مسافة رفض أو مسافة تنفصل هي مسافة اختلاف طبيعي وجميع الشخصيات أحبها واحترمها وأقدرها وقريبة مني رجال ونساء لكنه في مسألة الخجل من شخصياته يرى الأمر بالتصور التالي: عادة بالنسبة لي لا أضع أو اختلق شخصية ما في رواياتي إلا بعد أن أدرس الشخصية من جميع التكوينات وأرهق نفسي في بنائها وتكوينها ولهذا اخطط لها على الورق الخاص باسم: شخصيات الرواية ولأني مؤمن بأن الكتابة الإبداعية تقول مالا يقال في الواقع فمن الطبيعي أن تأتي الشخصيات بأفعال وأقوال مخالفة للواقع لكي لا تكون كتابتي تقريرية أو نقل فوتوغرافي أو كتابة سيرية من هنا لا بد أن تحدث اختلافات جذرية وصادمة بيني وبينها وأنا مقتنع تماماً بهذا الاختلاف بل راضٍ عنه وأسعى إليه لأن لكل رواية عالم بمفرده وواقع مختلف ولابد من عدم تكراره. ويتبرأ خالد اليوسف من الشخصيات النسائية التي يكتبها وأنها لا تعبر عنه فيقول: جميع الشخصيات النسائية في رواياتي تعبّر عن نفسها وتعبّر عن فكرها وما تتيقن به هي لا تعبّر عني أبداً! كل شخصية نسائية جاءت في مكانها وسياق روايتها ولهذا تتحدث تناقش وتطلب تعبيراً عما يدور في عقله. أما الروائي الكويتي عبدالله البصيص لا يعتقد بوجود مثل هذه المشاعر بين الروائي وشخصياته ولكن يرى بأن محاذير المجتمع تبرر للروائي أن يجعل الشخصية تقول عنه: لم أشعر بهذه المشاعر أبداً. كوني قلت على لسان «ذيبان» مثلاً، بطل طعم الذئب، بعضاً مما لا أستطيع قوله احتراماً لخطوط المجتمع التي وضعها لنفسه، فلم أشعر بأي خجل. الحرص ليس جبناً، والجرأة ليست شجاعة. الروائي السعودي عبدالله الوصالي هو أيضاً يبتعد عن الإحساس بالخجل ويسمي الأمر بأنه شعور بالارتياح فهو يقول: ليس الخجل ما شعرت به، بل الارتياح النسبي والقلق؛الارتياح من أنك صنعت من قناعاتك صيغ جمالية، والقلق من أن ألا تصل لأكبر عدد من الناس كوني اتقي المباشرة والوعظ، شأن كل عمل أدبي يتحدث بتواضع تمليه عليه نسبية الحقيقة وخصوصية التجربة. أمير تاج السر: شخصيات تحمل وزر أقوال كاتبها سارة الجروان: السعادة حين أفرغ شحنات تثقل مفكرتي خالد اليوسف: لا مسافة بين شخوص رواياتي عبدالله البصيص: أبطالي يقولون ما عجرت عن قوله للمجتمع عبدالله الوصالي: أصنع قناعاتي بصيغ جمالية