ألقى الدكتور عبدالعزيز بن عبدالرحمن الحيدري محاضرة بمنتدى ثلوثية بامحسون الثقافي بالرياض بعنوان: "الرحالة اليمنيون.. لمحات وشواهد"، وافتتح الدكتور الحيدري محاضرته بالحديث عن المكانة التاريخية والحضارية لأرض اليمن، وعن أهمية موقعها الجغرافيّ ومكانتها الاقتصاديّة، حيث أمكن الله قريشًا من الارتحال ويسّر لهم أسباب الأمان في الأرض، فهيأ لهم رحلة الشتاء إليها، كما كشفت المحاضرة عن أرض اليمن بوصفها موقعًا تاريخيًا، مرتحلًا إليه، مرغوبًا فيه. وتطرّق المحاضر في حديثه إلى نماذجَ متنوعةِ المسالكِ من الرحلات اليمنية سواء كان ذلك على مستوى زمن التأليف أو قيمته العلمية، أو طبيعته الرحلية، قاصدًا إلى ذلك التنويع في الاختيار منها، وغرض أن يعرض لصور شتى من بواعث الترحل، ودواعي الكتابة الرحلية، كما أشار إلى أن ميدان الرحلات قد ضرب فيه اليمنيّون بنصيب وافر. ثم انتقل بعد ذلك إلى الحديث عن الرحلات المخصوصة بحديث المحاضرة، منطلقًا من الأقدم تاريخيًا، ومراوحًا في حديثه بين رحلاتٍ نالت نصيبًا من الشهرة، وأخرى قَصُر الحديث عنها، بعض منها مطبوع وبعض لم يزل مخطوطا. وتناول أربع رحلات، كانت الأولى منها رحلة عُمارة اليمني، على ما حمله ذلك الكتاب من إشكالية في طبيعة الحكم الأجناسي عليه، هل هو سيرة ذاتية، أم رحلة، أم كتاب أخبار!، وكتابه الذي عليه مدار جزء من المحاضرة هو: "النكت العصرية في أخبار الوِزارة المصرية". وأما الرحلة الثانية، فهي للعلامة اليمني: إسماعيل جغمان، ذات التحقيق المعنون ب: "رحلة الحاج من صنعاء إلى مكةالمكرمة"، بتحقيق الدكتور محمد بن عبدالرحمن الثنيّان، وتعد هذه الرحلة من أوائل المؤلفات الرحلية اليمنية في العصر الحديث حين خرج المؤلف من صنعاء إلى مكة قاصدًا حج البيت العتيق سنة 1241ه. وأشار الحيدري إلى أن دقة المؤلف بلغت مبلغًا بعيدًا، إذ إنه كان حريصًا على توثيق رحلته بالأزمنة والتواقيت الدقيقة، من التوثيق باليوم والتاريخ والشهر والسنة، وبأوقات الصلوات، وببزوغ الشمس وزوالها وغروبها، وبأول النهار ومنتصفه وآخره، وبأول الليل ومنتصفه وآخره، كما كان حريصًا على تقييد أسماء الشخصيات التي ترافقه، أو التي يلتقيها في مراحل تنقله، وقد أفرد المحقق صفحة بأسماء الأعلام الواردة في الرحلة فبلغت خمسين اسما. وفيما يخصّ العاطفة الدينية في وصف المكان الهدف، فإن رحلة جغمان قد مالت قليلًا نحو العاطفة الدينية، إذ إن المؤلف وصف اشتياقه، واختفاء وعثاء السفر من نفسه حين حطّت رحاله بالبيت العتيق. وأما الرحلة الثالثة فهي للعلامة: عبدالله بن حسين الأهدل، وهو على مكانته، لا يكاد يُعثر له على ترجمة، وقد صوّر بالشعر في رحلته التهامية ما جرى له في السفر من الحديدة إلى صنعاء على إثر استدعاء الدولة له وجماعة من أعيان تهامة، وما تميّزت به هذه الرحلة عن المعتاد من الرحلات المنثورة أن جاءت في صورةِ منظومةٍ شعرية طويلة. وانتهى الحديث عن رحلة العلامة عمر بن أحمد بن أبي بكر بن سميط، وكتابه الذي عليه مجرى الحديث هو: "النفحة الشذية من الديار الحضرمية"، وكان المؤلف بدأ رحلته من زنجبار إلى بلدة حضرموت والتقى في بعض المدن التي حطّ بها جملة من العلماء والفضلاء، و"قد دفعه الشوق إليهم إلى القيام بهذه الرحلة". فكانت هذه الرحلة فرصة من قِبَل المؤلف لزيارة أشياخه والإجازة منهم، وقد أتى إليهم من مكان بعيد. وأكّد الحيدري في ختام المحاضرة على ضرورة تكاتف الجهود المؤسسية لرصد المخطوط الرحلي العربي، ورأى أن نَفْضَ الغبار عن جليل هذه المخطوطات أضحى مهمة علمية لا تقتضي تأخيرًا يُفاقم من حالة الحرمان التي يعيشها قراء هذا التراث الذي يسمعون به ولا يستطيعون الوصول إليه. وأخيرا أعطى مدير المحاضرة الدكتور وائل العريني، المجال للمداخلات، وكان أبرز المشاركين: د. محمد الربيّع، ود. صالح معيض الغامدي، ود. عبدالرحمن المديرس، ود. حسن الفيفي، ود. علي جماح.