تُعد الدبلوماسية في المجتمع المعاصر من وسائل الاتصال المهمة، ومهنة ليست بسيطة، تتضمن قضايا معقدة تحتاج إلى دراسة وعمق ومعالجة وفق أعلى درجات الفهم والوعي؛ لمواجهة ما قد يطرأ من متغيرات وتحديات دولية، مما يتطلب إيجاد حلول جديدة ومبتكرة باستمرار، انطلاقا من هذه الأهمية تأسس معهد الدراسات الدبلوماسية، التابع لوزارة الخارجية، بتوجيه من وزير الخارجية - حينها - الأمير سعود الفيصل - رحمه الله - في العام 1399 / 1400ه، بمدينة جدة، بهدف تأهيل منتسبي الوزارة وغيرهم من منتسبي الأجهزة الحكومية المرتبطة بالعمل الدبلوماسي، وتزويدهم بالكفاءة والخبرة العلمية والفنية والعملية والثقافية، بما يدعم تمثيلهم للمملكة بمستوى رفيع، وذلك من خلال تقديم برامج الدبلوم والدورات التدريبية ومراكز الدراسات، وفي العام 1404ه، انتقل المعهد مع وزارة الخارجية إلى مدينة الرياض، حيث تم توسيع وتعميق البرامج التدريبية لتشمل قبول بعض الدبلوماسيين من الدول الخليجية والعربية والإسلامية، وفي العام 1437ه، صدر قرار مجلس الوزراء بتعديل اسم «معهد الدراسات الدبلوماسية» - كما كان في أول إنشائه - ليصبح «معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية»، ومن ثم في العام 1439ه انتقل المعهد إلى مقرّه الجديد في العاصمة لمواكبة التوسع في كافة البرامج والأقسام والأنشطة. جهة مركزية وفي مجال التدريب الدبلوماسي والدولي يعد «معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية» وفقا لقرار لجنة تدريب وابتعاث موظفي الخدمة المدنية جهة مركزية لتدريب موظفي الدولة في المجال الدبلوماسي والدولي ويتم احتساب جميع ما يقدمه من برامج تطويرية وتأهيلية في الداخل والخارج للأغراض الوظيفية؛ حيث يقدم ثلاثة أنواع رئيسة من البرامج التدريبية: أولاً: «البرامج التأهيلية»، ثانياً «البرامج التطويرية» ثالثاً «برامج اللغات»، وعلى مستوى مراكز البحوث والدراسات الدولية والاستراتيجية، فيضم المعهد «مركز الدراسات الاستراتيجية، مركز الدراسات الأميركية، مركز الدراسات الأوروبية، ومركز الدراسات الآسيوية»، إذ يحرص من خلالها على التوسع في بناء جسور التواصل مع نُظرائه على المستوى الدولي. وعمل المعهد على تمكين النساء السعوديات المؤهلات في التخصصات ذات الصلة بالمعهد، عبر زيادة نسبة مشاركتهم في جهازه الأكاديمي، بما يحقق التوازن بين الجنسين ويتواءم مع توجهات رؤية المملكة 2030. كادرٌ دبلوماسي وفي تصريح خاص ل»الرياض» حول منهجية المعهد، أوضح د. عبدالله السلامة - مدير عام معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية - قائلاً: تتسم بيئة العمل الدبلوماسي في عالمنا اليوم بتحديات متزايدة، بسبب زيادة عدد الفاعلين الدوليين وتنوعهم واتساع نطاق قنوات الاتصال وزيادة تعقيد القضايا الدولية، ومن هنا فقد حرص المعهد على تطوير منهجية التدريب الدبلوماسي التي يتبناها بما يتلاءم مع التحديات المستجدة؛ حيث يجمع المعهد بين التدريب القائم على إكساب المعارف وتطوير المهارات، والتدريب على تحصيل المعلومات وتطوير المعرفة بشكل فردي، بما يساهم في إعداد كادر دبلوماسي سعودي قادر على مواجهة التحديات المتجددة، لذلك تم على سبيل المثال تحديد مهارة إعداد التقارير المتعمقة كأداة أساسية للدبلوماسيين خصوصاً أن طبيعة عمل الدبلوماسي السعودي تتسم بالشمولية سواء من ناحية المناطق الجغرافية التي يعمل بها أو من ناحية الموضوعات التي يعمل عليها، ولتحقيق ذلك يقدم الدارس في برنامج دبلوم الدراسات الدبلوماسية في نهاية البرنامج «تقرير تخرج» من (3700 - 7500) كلمة وفقاً لمعايير دقيقة، وبإشراف أحد أعضاء هيئة التدريس بالمعهد، كما تم الاهتمام أيضاً بالدبلوماسية العامة باعتبارها أداة رئيسة من أدوات تحقيق أهداف السياسة الخارجية خصوصاً في ظل تغير طبيعة القوة، وتزايد أهمية الرأي العام، وزيادة حاجة الدول للعمل الجماعي؛ حيث يقدم المعهد في برامجه المختلفة تدريباً على الدبلوماسية العامة والدبلوماسية الرقمية. مَنهلٌ عريقٌ وأوضح د. ضياء الدين با مخرمة - سفير جيبوتي وعميد السلك الدبلوماسي في المملكة العربية السعودية - أن معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية يؤدي أدواراً أكاديمية وتأهيلية؛ فهو منهل عريق من مناهل الدبلوماسية العربية ومرجع مهم يواكب أحدث المستجدات في هذا المجال، وبالإضافة لكونه صرحاً تأهيلياً للكوادر الدبلوماسية السعودية وغيرهم من دبلوماسيي الدول الشقيقة؛ فهو واحد من مصادر القوة الناعمة التي تضطلع بمهام الدبلوماسية الشعبية ونقل الصورة الصحيحة للمملكة العربية السعودية، ويسهم المعهد بلا شك من خلال تعاونه مع المعاهد الدبلوماسية المماثلة ومراكز الفكر والأبحاث والمنظمات الدولية، في تعميق العلاقات بين المملكة والدول الخارجية، يضاف إلى ذلك ما يقدمه من برامج ودورات للدبلوماسيين غير السعوديين الذين يستضيفهم على نفقته بمقره في الرياض، مضيفًا: «يضم المعهد مراكز الدراسات الأميركية، والدراسات الأوروبية، والدراسات الآسيوية، بهدف رصد التوجهات الدبلوماسية لهذه الدول، وسياساتها، وتأثيراتها في العلاقات الثنائية مع المملكة، وهذا مما تستوجبه مكانة المملكة وثقلها الاقتصادي وريادتها الاستثنائية، فهي قلب العالم الإسلامي وقبلة المسلمين، وهي قائدة مؤثرة في محيطها، ولهذا كان لزامًا على معهد الأمير سعود الفيصل أن يحتضن مراكز دراسات استراتيجية متخصصة تهتم بالشؤون الدولية بمختلف البلدان والقارات من أجل متابعة التطورات في هذه البلدان ورصد المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيها وإعداد التصورات البحثية المقترحة للتعاطي معها، كما إن من شأن هذه المراكز المختلفة خلق نوع من التعاون مع الدول المعنية وتعزيز القيم المشتركة معها». ذراعٌ معرفي وذكر عقل العقل - كاتب - أنه يعتبر معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية من الأذرع المعرفية والتدريبية لموظفي وزارة الخارجية في المملكة، وتتعدد وتتنوع أنشطة البرامج التي يقدمها، حيث قد يصل بعضها إلى مستوى برامج أكاديمية في مواضيع دبلوماسية غير مهتم بها في الجامعات السعودية مثلاً، ويقدم المعهد في المقام الأول دورات تأهيلية لموظفي الوزارة حديثي الالتحاق بالعمل الدبلوماسي أو دورات للسفراء السعوديين المعينين في بعض الدول، ويكون المتحدثين فيها من الخبراء في تلك الدول أو الأقاليم، كما أن المعهد نشط جداً في تقديم دورات لموظفي الأجهزة الحكومية الأخرى التي ترسل بعض موظفيها في مكاتب متخصصة ملحقة بسفارات المملكة كبعض موظفي المكاتب والملحقيات الثقافية والإعلامية والدينية والعسكرية والصحية؛ فعلى سبيل المثال يتم تقديم دورات متخصصة في الإعلام وكيفية التعاطي معه في تلك الدول، وقوة تأثيره في الرأي العام الدولي، وعلاقته بالأزمات بين الدول وكيفية إدارتها، وفي الجغرافيا السياسية وأهميتها ودورها وكيفية تأثيرها في العلاقات بين الدول، وفي أهمية الدبلوماسية الشعبية وتوظيف القوى الناعمة لأي دولة في العالم لتحقيق مصالحها الوطنية، كما نشهد دور الأنشطة الثقافية والرياضية والفنية في تحقيق هذه الأهداف، لافتًا إلى أن المعهد يُنظم الكثير من الفعاليات واللقاءات مع كثير من السياسيين الذين يزورون المملكة للالتقاء بنظرائهم السعوديين من خلال المحاضرات أو حلقات البحث والنقاش المغلقة أو تنظيم مؤتمرات علمية؛ يشارك فيها المختصين من الجانبين الأجنبي والسعودي، مؤكدًا على أن المعرفة وخاصة في المرحلة التي نعيشها مع التدفق الهائل للمعلومات؛ أصبحت متوفرة للجميع ولكن المهم هو كيفية استخدامها وأرشفتها وجاهزيتها للموظف الدبلوماسي؛ لاستخدامها والاستفادة منها وقت الحاجة، وهذا ما يُقدمه المعهد لموظفي الخارجية بطرق متعددة وسريعة. قواعدٌ وأصولٌ وعن الأهمية التي تشكلها الدبلوماسية في تطور العلاقات الدولية، أوضحت هاجر الدوسري - باحثة ماجستير في مجال الدبلوماسية العامة - أن السياسة الخارجية لأي دولة تعتمد على أربع أدوات رئيسة في تحقيق أهدافها، وهي: الدبلوماسية، والسياسات الاقتصادية، والدعاية، والقوة العسكرية، ومن هذا المنطلق تترأس الدبلوماسية أدوات السياسة الخارجية للدول، فهي فن التفاوض ورعاية المصالح المتبادلة بين مختلف الدول بطرق سلمية تقوم على معرفة العلاقات والمعاهدات الدولية والقانون الدولي والالتزام بما يمليه كل ذلك، وهي واجهة الدول ودورها الحقيقي على الصعيد الدولي الذي يقوم به ممثليها من وزراء الخارجية والسفراء والدبلوماسيين، فالعمل الدبلوماسي الدولي يتحرك وفق قواعد وأصول ملزمة لأشخاص القانون الدولي (دول - منظمات)، فهي اتصال سلمي بين الأطراف الدولية لرعاية المصالح المتبادلة بينها، ولعل من المناسب ذكر الدور الدبلوماسي العظيم الذي قام به الدبلوماسي المحنك الأمير سعود الفيصل - رحمه الله - لإنهاء الحرب الأهلية في لبنان، الذي تُوج باتفاق الطائف في العام 1989م من خلال دبلوماسية نشطة لحل النزاع بين الأطراف اللبنانية لما في ذلك من تأثير على أمن واستقرار المنطقة، حيث استطاع الفيصل بذكائه وحنكته وعلى مدى خمسة عشر عاما أن يؤلف بين مختلف الأطراف في الحرب الأهلية اللبنانية»، مشيرةً إلى أنه لم تعد الدبلوماسية محصورة في شكلها التقليدي، بل بدأت تتجه على الصعيد الدولي إلى التركيز على الدبلوماسية العامة، من خلال الدبلوماسية الرقمية من أجل كسب تأييد أكبر لسياستها الخارجية بما يضمن تحقيق أهداف هذه السياسة. المعهد يُعد جهة مركزية لتدريب موظفي الدولة دبلوماسياً ودولياً د. عبدالله السلامة د. ضياء الدين با مخرمة عقل العقل هاجر الدوسري