بدأ الرئيس اللبناني ميشال عون الخميس الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس حكومة خلفاً لسعد الحريري، الزعيم السني الأبرز، الذي أعلن أنه لم يعد مرشحاً بعد أكثر من شهر ونصف على استقالته أمام غضب الشارع، ما مهّد الطريق أمام وزير سابق لتولي المهمة يلقى دعم حزب الله. وجاء عقد الاستشارات بدءاً من العاشرة والنصف، بعد تأجيل لأسبوعين متتاليين، جراء تعثّر القوى السياسية في التوافق على مرشح لتشكيل حكومة أمامها مسؤوليات كبرى في ظل انهيار مالي واقتصادي متسارع. وبعد ساعات من اعلان الحريري (49 عاماً) مساء الأربعاء أنه لم يعد مرشحاً لرئاسة الحكومة، نقلت وسائل اعلام محلية توافق حزب الله، خصمه الأبرز مع عون وحلفائهما، ويشكلون أكثرية برلمانية، على تسمية وزير التربية الأسبق حسان دياب (60 عاماً)، الذي يشغل حالياً منصب نائب رئيس الجامعة الأميركية في بيروت. وبدأ عون الاستشارات بلقاء الحريري، الذي اكتفى بمعايدة الصحافيين والقول «الله يوفق الجميع». ولم تسم كتلة الحريري، التي تضم 18 نائباً وتُعد الكتلة السنية الأكبر في البرلمان، بعد لقائها عون أحداً لرئاسة الحكومة التي تعود للطائفة السنية. كما امتنع كل من رئيسي الحكومة السابقين نجيب ميقاتي وتمام سلام عن تسمية أي مرشح، مبدين اعتراضهما على تسمية «سقطت بالمظلة» في إشارة إلى دياب. وتعكس هذه المواقف عدم دعم أبرز ممثلي الطائفة السنية لتسمية دياب. وفي المقابل، سمّت كتلة حزب الله، التي تضم 12 نائباً، دياب لتكليف رئاسة الحكومة. وقال رئيسها محمد رعد بعد لقاء عون «نأمل في حال سمّته الأكثرية أن يوفق في مهامه»، مؤكداً التعاون «بشكل كامل معه». ودعا كافة القوى السياسية «لإبداء مثل هذا التعاون». وعادة ما يمتنع حزب الله عن تسمية رئيس للحكومة، ما يشير إلى دعمه الكامل لدياب. وعنونت صحيفة الأخبار القريبة من حزب الله على صفحتها الأولى الخميس «حسان دياب رئيساً للحكومة ب70 صوتاً اليوم؟»، بينما كتبت جريدة النهار على صفحتها الأولى «حسان دياب رئيساً مكلفاً تأليف الحكومة». وسبق أن تولى دياب وزارة التربية بين العامين 2011 و2014 في حكومة برئاسة ميقاتي دعمها حزب الله بعد الإطاحة بحكومة الحريري. شكل الحكومة؟ وتحت ضغط حراك شعبي بدأ في 17 أكتوبر وبدا عابراً للطوائف والمناطق، قدّم الحريري استقالته في 29 أكتوبر، من دون تكليف رئيس جديد للحكومة، رغم مطالبة المتظاهرين ونداءات دولية بوجوب الاسراع في تشكيل حكومة إنقاذ. ومنذ استقالته، جرى تداول أسماء عدة لخلافة الحريري إلا أنها سقطت كلها، فيما بقي هو الأوفر حظاً حتى مطلع الأسبوع، رغم رفض المتظاهرين لإعادة تسميته باعتباره شريكاً في الحكم وجزءاً مما يصفونه ب»منظومة الفساد» في البلاد. إلا أن اعلان حزب القوات اللبنانية الأحد، بعد التيار الوطني الحر بزعامة عون، الكتلتين المسيحيتين الأبرز، توجههما لعدم تسمية الحريري أعاد خلط الأوراق، في بلد يقوم نظامه السياسي على التوافق بين كل الطوائف ويحتاج فيه رئيس الحكومة، غطاء مسيحياً. وأعلن الحريري في بيانه الأربعاء «لما تبين لي أنه رغم التزامي القاطع بتشكيل حكومة اختصاصيين، فإن المواقف التي ظهرت في الأيام القليلة الماضية من مسألة تسميتي هي مواقف غير قابلة للتبديل، فإنني أعلن انني لن أكون مرشحاً لتشكيل الحكومة المقبلة». وأصر الحريري على ترؤس حكومة اختصاصيين ما رفضته قوى سياسية رئيسية لا سيما حزب الله، رغم اعلانه عدم ممانعته تكليف الحريري تشكيل حكومة لا تقصي أي طرف سياسي رئيسي. وعارض المتظاهرون أسماء عدة تم تداولها لرئاسة الحكومة لقربها من الطبقة السياسية، متمسكين بمطلبهم تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين عن السلطة الحالية والاحزاب التقليدية بالكامل. تحقيق في القمع وتشهد البلاد انهياراً اقتصادياً ومالياً يُهدد اللبنانيين في وظائفهم ولقمة عيشهم مع أزمة سيولة حادة بدأت معالمها قبل أشهر، وتفاقمت مع شح الدولار وفرض المصارف قيوداً على حركة الأموال، تزامناً مع ارتفاع مستمر في أسعار المواد الأساسية. وحذّر البنك الدولي من أن معدل الفقر (ثلث اللبنانيين) قد يرتفع إلى خمسين في المئة، وأن نسبة البطالة (أكثر من 30%) في صفوف الشباب مرشحة لارتفاع حاد. وتعدّ الأزمة الاقتصادية الراهنة وليدة سنوات من النمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إجراء إصلاحات بنيوية، وتراجع حجم الاستثمارات الخارجية، عدا عن تداعيات الانقسام السياسي الذي فاقمه النزاع في سوريا. وشهدت بيروت خلال الأيام الماضية أعمال شغب وصدامات هي الأعنف منذ بدء الحراك الشعبي، الذي بات يطلق عليه «ثورة 17 تشرين». وشهدت عطلة نهاية الأسبوع المواجهات الأعنف بين القوى الأمنية ومتظاهرين ضد السلطة حاولوا اقتحام شارع يؤدي إلى مقر البرلمان. كما اندلعت يومي السبت والإثنين صدامات عنيفة بين القوى الأمنية ومناصرين لحركة أمل وحزب الله، مناوئين للمتظاهرين الناقمين على زعمائهم. ودعت منظمة العفو الدولية الخميس السلطات اللبنانية إلى التحقيق في «القمع العنيف» للمتظاهرين «السلميين» يوم السبت، والذي يعد «الأكثر شراسة» منذ بدء الحراك الشعبي، وقد استخدمت خلاله القوى الأمنية القنابل المسيلة للدموع بشكل كثيف جداً. ومع تكرار أعمال الشغب والصدامات، أغلقت قوى الأمن بالعوائق الاسمنتية طرقاً فرعية مؤدية إلى ساحات التظاهر الرئيسية في وسط بيروت، كما وضعت حاجزاً حديداً ثابتاً في شارع يؤدي إلى مبنى البرلمان. حسان دياب (أ ف ب)