ثروات لبنانوالعراق تُسخّر لخدمة التدخلات الإيرانية مشهد ضبابي يخيم على أرض السواد، في حين ما زال مفهوم الدولة العميقة يربك التفاعلات السياسية المرتبكة بما يكفي، فعراق اليوم يعيش نظامه أزمة سياسية كبرى، ولأن علاج الأزمة يبدأ من التشخيص الحقيقي لوجودها وعلّتها، أكد القيادي في حزب البعث صلاح المختار في حوار مع «الرياض» أن علاج أزمات العراق المزمنة منذ 2003 هو إقامة عراق حر ومستقل وسيد، نظامه ديموقراطي تعددي يتم من خلاله تبادل الحكم بواسطة الانتخابات وليس الانقلابات، وبين المختار أن مفتاح الاستقرار في لبنانوالعراق هو إنهاء الاستعمار الإيراني في كلاهما وهو استعمار يشبه الاستعمار الصهيوني لفلسطين مع فارق أن أدوات الاستعمار الإيراني قسم كبير منها عربي، وهنا مكمن الخطورة بعكس الاستعمار السكاني الصهيوني المعتمد على يهود مستوردين من الخارج فهم غرباء وبينهم وبين الشعب خنادق عميقة من الصعب اجتيازها، ويرى المختار أن الانتفاضة الجارية في العراقولبنان تمثل انتصار «سوبرستراتيجي» عربي ضد المشروع الإيراني التوسعي، لأن مصرع المشروع الاستعماري الإيراني هو في فقدان تلك الحواضن الشعبية التي كانت إيران تعتقد أنها باتت تحت سيطرتها.. وإلى نص الحوار: * طرحتم حزب البعث كأحد البدائل عن العملية السياسية.. ما رؤيتكم لمواجهة النفوذ الإيراني في العراق؟ * نحن لم نطرح البعث كبديل بمفرده وإنما طرحنا البديل الوطني الديمقراطي وهو يضم كافة القوى الوطنية المناهضة للاحتلال الإيراني للعراق والهدف المشترك هو إقامة نظام تعددي ديمقراطي خال من العنف والقسر الانقلابي. وكررنا التأكيد على أن تحرير العراق من الغزو الإيراني -وهو غزو شامل للعراق عسكرياً واقتصادياً وسكانياً وليس مجرد نفوذ- رهن بوحدة القوى الوطنية العراقية وعقد صلات تعاون مع القوى العربية الرسمية والشعبية المستعدة لدعم هدف تحرير العراق، ودعوة كافة القوى التي لها مصلحة في إنهاء الغزو الإيراني لتقديم الدعم، وبهذا الخيار يمكن جعل تحرير العراق أسهل وأقل خسائر. إلغاء قانون المساءلة والعدالة ضرورة للمرحلة المقبلة * ما رؤية الحزب لما أحدثته إيران في الداخل العراقي على مدار السنوات الماضية؟ * أخطر ما حققته إيران هو منح الجنسية العراقية لأكثر من أربعة ملايين أجنبي أغلبهم من الإيرانيين من أجل تغيير هوية العراق الوطنية العربية، وجرى هذا مقترناً بالتهجير القسري لأكثر من خمسة ملايين عراقي عربي إلى خارج العراق وإجبار ثلاثة ملايين عراقي عربي على النزوح من مناطقهم وإسكانهم في مخيمات تمهيداً لتهجيرهم لاحقاً، وهذه الكتل السكانية دخلت العراق تحت أغطية عديدة منها زيارة الأماكن الدينية ثم البقاء ومنحهم الجنسية العراقية، واعترف إبراهيم الجعفري حينما كان رئيساً للوزراء في العام 2005م بأنه منح الجنسية العراقية لأكثر من مليونين ونصف المليون شخص، ومنذ ذلك العام ومنح الجنسية العراقية مستمر بلا توقف. والهدف من وراء تغيير هوية العراق الوطنية ليس فقط ضم العراق إلى إيران بل أيضاً تحويله إلى قاعدة انطلاق لغزو دول الخليج العربي، وهو ما اعترف به أكثر من قائد إيراني بتأكيدهم على "أن الهدف هو إعادة العرب إلى الصحراء التي أتوا منها"، والعراق بالنسبة لخطط الفرس قديماً والآن هو القاعدة الأساسية لنجاح المشروع الاستعماري الفارسي الإقليمي فمن دون العراق لا يمكن لإيران تحقيق أهدافها الإقليمية ولا المحافظة عليها لأسباب تاريخية وسكانية واقتصادية وغيرها منها أن أرض فارس هضابية وفقيرة الموارد والصالح منها للزراعة لا تتعدى نسبة 13 - 15 % من مجموع أراضي فارس وحتى هذه النسبة لا توجد مياه لريها فيحل القحط والجوع إذا لم تمطر السماء عامين متتالين كما اعترف شاه إيران في كتابة "رد للتاريخ" (answer to history) ولذلك كانت بلاد فارس قديماً وحديثاً تتجه للغرب من أجل الحصول على الماء والأرض الزراعية والغرب هو العراق أرض السواد والخصب. فنضالنا في العراق، كما في بقية الوطن العربي، هدفه الرئيس في هذه المرحلة هو حماية عروبة العراق وبقية الأقطار العربية وهذا لن يتحقق إلا بدحر الغزو الإيراني للعراق فهو المفتاح والحل الجذري. والدليل على صحة ما قاله حزبنا هو أن العراق تحول وقبل أن تكمل إيران كافة خطواتها المطلوبة إلى قاعدة عدوان على السعودية ودول الخليج العربي ففيه الآن ميليشيات تعلن بلا مواربة أنها تستعد لغزو السعودية انطلاقاً من العراق ومنه أطلقت صواريخ والطائرات الدرون ضد السعودية، وبقوة البشر الذين منحتهم الجنسية العراقية أو الذين خدعوا بالشعارات الطائفية تريد غزو الأقطار العربية لأنها تعرف بأن العراقي مقاتل شديد وعنيد ومستعد للتضحية بعكس الإيراني الذي وإن ظهر في البداية عنيداً إلا أنه سرعان ما ينهار عندما يجد خصماً مقاتلاً وقوياً وتلك حقيقة أثبتتها الحرب التي شنها خميني على العراق ودامت ثمانية أعوام انتهت بانتصار عراقي عظيم عطل تحقيق المخطط القومي الفارسي 15 عاماً ولم يستأنف تنفيذه إلا بعد غزو العراق. * ما يحدث في لبنان ليس بمعزل عن أحداث العراق.. من وجهة نظرك ما أوجه التشابه بين تظاهرات العراقولبنان؟ * القاسم المشترك الفعلي بين أحداث القطرين الشقيقين العراقيواللبناني هو النضال الجاد لإنهاء السيطرة الإيرانية عليهما، فإيران تسيطر على العراق بواسطة ميليشياتها وكذلك لبنان حيث يسيطر حزب الله مخترقاً السيادة اللبنانية، وهو والميليشيات العراقية وضعوا العراقولبنان تحت السيطرة الإيرانية الاقتصادية والأمنية والسياسية، أما بقية المطالب كإنهاء الفساد والطائفية فهي ثانوية فمن دون إنهاء سيطرة حزب الله على لبنان لن يستطيع الخروج من المأزق الخطير الحالي، وكذلك العراق فمن دون إنهاء سيطرة الميليشيات لن يتحقق استقلال العراق. فالمفتاح في لبنانوالعراق هو إنهاء الاستعمار الإيراني في كلاهما وهو استعمار يشبه الاستعمار الصهيوني لفلسطين مع فارق أن أدوات الاستعمار الإيراني قسم كبير منها عربي، وهنا مكمن الخطورة بعكس الاستعمار السكاني الصهيوني المعتمد على يهود مستوردين من الخارج فهم غرباء وبينهم وبين الشعب خنادق عميقة من الصعب اجتيازها. الاستعمار الإيراني في العراقولبنان أفقر القطرين وأذل الشعب العربي فيهما لأن ثرواتهما ومواردهما تسخَّر لخدمة الغزوات الإيرانية وليس لخدمة الشعب، كذلك فإن الطائفية التي كانت تقوم في لبنان على توازن مستقر بقوة دولية وإقليمية نسفته إيران بتغليب حزب طائفي هو حزب الله على بقية الطوائف بقوة السلاح وهذا عامل خطير جعل بقية الطوائف تعيش حالة خضوع مذل لحزب الله، أما شيعة لبنان وبعد أن خدعوا سنوات اكتشفوا خصوصاً أثناء الأزمة السورية بأن حزب الله لا يخدم الشيعة بل يستغلهم لخدمة المصالح القومية الإيرانية، فالجوع والبطالة في جنوبلبنان والضاحية في بيروت زادا قوةً وعمقاً وفقدت آلاف العائلات الشيعية مصادرها المالية وتعرض لبنان إلى تلويث خطير للبيئة نتيجة نهب ثرواته من أجل إيران أو فاسدين، والسياحة انتهت عملياً مع أنها المصدر الأساس للدخل بسبب عدم الاستقرار الأمني الناتج عن ديكتاتورية حزب الله وإرهابه الدموي، ولذلك برز ترابط عضوي بين تدهور حالة لبنان وسيطرة حزب الله وأنتج ذلك إجماع المنتفضين ضد حزب الله على هدف: "كلن يعني كلن.. وحزب الله منن"، والعراق المختلف عن لبنان في انسجام نسيجه الاجتماعي رغم كل محاولات إيران إشعال الفتن الطائفية أكدت الانتفاضة المباركة أن شعبه عربي بشيعته وسنته ومسيحيه وصابئته، فالكل الآن ضد الغزو الإيراني. * هل تعتقد أن الحلم الخميني قد تبخر على نار الصحوة العربية؟ * نعم هذا صحيح فالخمينية أساساً قامت على فكرة إنشاء حواضن شعبية لها داخل الأقطار العربية ولاؤها لإيران وليس لوطنها، واستخدمت الطائفية كوسيلة لتحقيق ذلك وبالفعل حققت بعض النجاح في بعض الأقطار العربية ولكن لفترة، حيث إن الهوية الوطنية العربية كانت تصد التيار الطائفي الرئيس وتقف بوجهه كما في العراق، والآن شيعة العراق ينتفضون في مقدمة العراقيين ضد الغزو الإيراني ويعدونه سبب خراب العراق وكوارثه، وهكذا أثبتت الانتفاضة الوطنية العراقية وكذلك اللبنانية بأن الشيعة العرب عرب أصيلون، وأن هويتهم القومية العربية هي القوة الأساسية المحركة لهم مهما نجح التضليل، وهذا انتصار سوبرستراتيجي عربي تحققه خنق المشروع الإيراني التوسعي، لأن مقتل المشروع الاستعماري الإيراني هو في فقدان تلك الحواضن الشعبية داخلنا لأنه قام على الاعتماد عليها في السيطرة الداخلية وبدون حروب تشنها إيران، لأن حروب الغزو الخارجي تفشل مهما طال الزمن كما أن إيران لا تملك القدرات العسكرية ولا المادية على خوض حروب الغزو، من هنا فإن فقدان الحواضن الشيعية هو ضربة قاضية للمشروع القومي الإيراني لأن العنصرين البشري والمادي الضروريان لنجاح المشروع الإيراني لم يصبحا في خدمة الاستعمار الإيراني إنما التحم الشيعة بالسنة وبكافة العرب الآخرين من أجل الاستقلال الوطني وتحرير العراقولبنان. ولذلك يمكن التأكيد بقوة أن المشروع الاستعماري الإيراني سقطت أسسه، وما نراه هو الزخم المتبقي منه وهو قليل ويشبه رفسات ثور يحتضر. ولأجل إكمال الإجهاز على الثور الإيراني فمن الضروري تعميق الروابط الوطنية بين مواطنينا العرب وإعلاء قيمة المواطنة المتساوية في كل الأقطار العربية فتلك هي ضمانة منع عودة السرطان الإيراني مجدداً. *لوَّحت واشنطن بتدويل قضية قتل متظاهري العراق.. في رأيك ما سر التحول في الموقف الأميركي تجاه التظاهرات العراقية؟ * لأميركا الآن مصلحة في تحجيم إيران إقليمياً، فالدور الإيراني الذي ظهر مع صعود الخميني اتسم بالتوسع الإقليمي تحت شعار "نشر الثورة الإسلامية"، ولم يعد سراً أن الغرب خصوصاً أميركا وبريطانيا كانتا وراء دعم عملية إسقاط الشاه وتنصيب خميني ديكتاتوراً أوحد في إيران، وكان هدف الدور الإيراني هو نشر الفتن الطائفية والعنصرية في الأقطار العربية وتفتيتها من الداخل، لأن ذلك يخدم الأهداف الاستراتيجية للغرب والصهيونية فتفتيت العرب يجعل ثرواتهم تدوّر للغرب، وهنا نرى الفائدة التي يحققها الغرب، وتفتيت العرب يبعد شبح التهديد العربي لإسرائيل وهنا نرى الفائدة الصهيونية، وتفتيت العرب يحقق أغلى أهداف إيران وهو إعادة بناء إمبراطورية فارسية تحت تسمية إسلامية مضللة، وهنا نرى المصلحة الاستراتيجية الإيرانية. وبعد أن تحقق هدف نشر الفوضى المهلكة في أقطار عربية رئيسة مثل العراق وسورية وليبيا واليمن ولبنان بزرع بذور الفتن فيها وفي دول الخليج العربي ومصر والسودان والمغرب العربي، ترى الإدارة الأميركية الحالية أن الوقت قد حان لإعادة إيران إلى ما بين سكتين ومنع خروجها منهما لأجل إعادتها إلى دورها في أيام الشاه وهو العمل رسمياً تحت مظلة الغرب وهذه المرة باسم "النظام الإقليمي الشرق أوسطي الجديد". والصراع الحالي بين أميركا وإيران هو حول ذلك ولهذا نرى أن الموقف الأميركي بقي ثابتاً ولم يتغير منذ التسعينيات وطرح سياسة الاحتواء المزدوج أثناء إدارة الرئيس بيل كلينتون وهو تعديل سلوك النظام الإيراني عبر الضغوط الاقتصادية والسياسية وليس إسقاطه بينما كان الهدف في العراق إسقاط النظام عسكرياً وعدم التحاور معه. بهذا المعنى فإن الانتفاضة العراقية عامل مهم جداً لأنها تفقد إيران أهم قواعدها وهي قاعدة العراق وهو ما تعده الإدارة الأميركية تسهيلاً لإعادة إيران إلى ما بين السكتين وضبطها إقليمياً ودولياً، وهذا الهدف هو الذي حدد أيضاً الموقف الأميركي من الانتفاضة العراقيةواللبنانية أيضاً. * مازال استقلال كردستان سراباً لا يتبدَّد.. في رأيك هل يعمل ذلك على تشظي وحدة العراق؟ * منذ عقد المؤتمر الصهيوني الأول في عام 1897 وإعلان ولادة الحركة الصهيونية وتحدد الهدف وهو جعل فلسطين وطناً لليهود ووضع مخطط رئيس تفرعت منه مخططات تطبيقية والمخطط الأصل يقوم على تفتيت الأقطار العربية وإشغالها بصراعات داخلية طائفية وعرقية ومناطقية وأيديولوجية وغيرها وحرمانها من فرص التوحد ضد إسرائيل بعد قيامها، فالأصل في نشر التشرذم العربي هو المخططات الغربية الاستعمارية والصهيونية المتلاقية استراتيجياً مع المخططات الفارسية التي تم تبنيها بعد أن أسقط العرب الإمبراطورية الفارسية ونشروا الإسلام فيها، ولإدراك حزب البعث العربي الاشتراكي لخطورة تلك الخطط فإنه تبنى حلاً صحيحاً وهو الاعتراف بالقومية الكردية كقومية شقيقة للقومية العربية وأسس الحكم الذاتي في إطار عراق واحد، ولكن القوى الصهيونية والغربية وإيران وقفت كلها ضد بقاء العراق واحداً وقوياً، وكان استخدام القضية الكردية أحد أهم أساليب إضعاف العراق، ومادامت الصهيونية مصممة على مطامعها هي وإيران والقوى الغربية فإن إثارة القضية الكردية في إطار انفصالي هو الهدف الرئيس لها وهو يضر بالعرب مثلما يضر بالأكراد، والحل الصحيح الذي يخدم العرب والأكراد معاً هو الحكم الذاتي ضمن عراق حر سيد وديمقراطي. * بعد استقالة عبدالمهدي.. ما الذي ينتظر مرشحي حكومة العراق الجديدة؟ * الاضطراب هو السمة السائدة، فإيران وأتباعها عاجزون عن مواجهة الانتفاضة الشعبية العارمة والتي تهدف إلى إنهاء الاستعمار الإيراني ومقدمة ذلك إسقاط العملية السياسية وإقامة حكم وطني ديمقراطي خال من الفساد، على أن يمهد لذلك بحكومة إنقاذ وطني مؤقتة تعد لانتخابات حرة بإشراف دولي، وكل الأسماء التي تعرض أو ستعرض سوف تواجه الفشل لأن شعب العراق انتفض وكشف ألاعيب إيران وخداعها. * هل تتوقع أن الفترة المقبلة ستشهد عدولاً عن قانون المساءلة والعدالة الذي يشمل منتمين لحزب البعث تمهيداً لإشراكهم في العملية السياسية القادمة؟ * من أهم سمات المرحلة القادمة كما يظهر من مواقف الأطراف المعنية بالصراع إلغاء كافة القوانين التمييزية بين العراقيين وفي مقدمتها قانون المساءلة والعدالة والذي ألحق الضرر الفادح اقتصادياً بملايين العراقيين وحرم أكثر من عشرة ملايين عراقي من حقوقهم الأساسية، فما قيمة التغيير إذا لم تلغ تلك القوانين الظالمة والتي كانت أحد أهم أسباب الفتن والاضطراب في العراق بعد غزوه..؟ * ما الحل للأزمات المتلاحقة للعراق منذ العام 2003م وحتى الآن؟ * الحل هو إقامة عراق حر ومستقل وسيد، نظامه ديمقراطي تعددي يتم من خلاله تبادل الحكم بواسطة الانتخابات وليس الانقلابات، وليتم ذلك يجب أن تتم الانتخابات بإشراف دولي لضمان نزاهتها.