في ظل هذا الزخم من المتغيرات في الخارطة الإعلامية، وزحام المستجدات التواصلية، وتنوع المضامين، وتداخل المجالات المختلفة فيما بينها يصبح تحول المفاهيم سمة من سمات التغير الجديد في كل مجال.. ويعد التداخل النظري وتشابك الرؤى من إرهاصات التحديث المعرفي، فتتشكل معانٍ ومفاهيم حديثة في سياقات مربكة. في مقال سابق ذكرت أن السياسة تفرض معطياتها على كل مجال وبالذات المجال الإعلامي الذي أصبح أسيراً مقيداً بكل الإرهاصات والنيات السياسية وأحداثها. هذا التسيير النوعي الذي أحدث اختلالاً في التفاعل الطبيعي بين المجالات، وقلب موازين التأثير بين مجال ومجال، وأحدث دفعاً قوياً للتداخل المعرفي بين تلك المجالات.. فاليوم كل مجال قد يتطفل على مجال آخر ليصنع مجالاً جديداً للتداول والتعاطي. اليوم المرتكز السياسي هو المحرك الضمني الذي تنطلق منه أبعاد مختلفة، وتندمج في ثناياه عناصر السلوك الاتصالي بكل أنواعه.. كما أن الدبلوماسية العصرية اتسعت أبعادها ومساحاتها ولم تعد ممارستها خفية بل في نطاق علني كبير وتحت أعين الرقيب.. كما أن المتغيرات أظهرت أنواعاً جديدة للدبلوماسية، فكانت هناك دبلوماسية شعبية غير مباشرة، ودبلوماسية المواطن العادي، ودبلوماسية القوى الناعمة التي لامست مجالات أخرى تستثمرها الدبلوماسية لصنع صورتها ومعطياتها ومنتجاتها. السياسة تحفها الدبلوماسية التي تبرز الفعل السياسي، والسياسة تلتحف بالإعلام الذي ينشر المنتج السياسي، من هنا يحدث تمازج جديد بين الدبلوماسية والإعلام الذي أضعه في مصطلح "الدبلوعلامية". وتنطلق الدبلوعلامية من استثمار تقنيات الدبلوماسية في إنتاح محتوى وشكل إعلامي ممزوج بذكاء سياسي.. وصناعة الإعلامي الدبلوماسي أو الدبلوماسي الإعلامي، كما ينطلق من فهم كيف يكون الإعلامي دبلوماسياً، ويكون الدبلوماسي إعلامياً. لا أتجاهل مكانة الإعلام المتخصص في وضع نوع يختص بالإعلام الدبلوماسي الذي يحاول ربط الجهد الإعلامي بالسلوك الدبلوماسي، ويقدمه بطريقة مقبولة للمتلقي.. الإعلام الدبلوماسي يركز على صناعة المادة الدبلوماسية بأوعية وأدوات إعلامية.. وفي هذا الوقت المضطرب جداً أرى أن التفكير في بعد "الدبلوعلامية" ضروري. لكن "الدبلوعلامية" تحاول ضمان فاعلية الدبلوماسي على مواكبة التطور المتسارع والهائل في تكنولوجيا ووسائل وأساليب الإعلام والاتصال.. وتحاول ضمان وعي الإعلامي بالطرائق الدبلوماسية لتسويق السياسات، وتعزيز الصور الإيجابية عن الوطن. حين تكون الدبلوماسية فنّ الاتزان في المواقف المؤثرة يكون الإعلام فنّ التأثير في المواقف المتزنة.. من هنا تتمثل الدبلوعلامية في قدرة الدبلوماسي على تكوين مزاج إعلامي مناسب، وبعيد عن الضوابط الصارمة، أو الخشية من التجاوز.. وتمكن الإعلامي من تقمص الوعي الدبلوماسي في نشر مواده. ويبقى القول: علينا مواكبة الحدث السياسي برؤى جديدة يتم استثمار مقومات العمل الدبلوماسي بالفعل الاتصالي والعملية الإعلامية بأسلوب مبتكر يثمر عن "دبلوعلامي"، ويكون فيه الخطاب الوطني موجهاً لوعي وفهم الآخر كما نريد نحن لا كما يريد.