في الرياض.. مبادرات كبرى دوماً لتمتين الصف ومواجهة التحديات ترتبط دول الخليج بعلاقات مميزة ضاربة في جذور التاريخ، تعززها روابط الدم ومعاني الأخوة والمصير المشترك، وتعد مثالًا على تطابق وجهات النظر تجاه مجمل القضايا، والوعي المشترك بطبيعة المتغيرات الإقليمية والدولية، وأهمية التعامل معها بسياسات ومواقف متسقة ومتكاملة. والمملكة العربية السعودية في كل المحافل المحلية والعربية والدولية، كانت على الدوام داعماً رئيساً للقضايا الخليجية والعربية بما يخدم مصالحها، وتعد صمام أمانها وحاملة راية الدفاع عنها ضد جميع الأطماع والمشروعات التدميرية.سلمان عمود البيت المملكة بمكانتها الإقليمية والدولية وبحكمة قيادتها وبثقلها العربي والإسلامي تمثل عمقاً إستراتيجياً وصمام الأمان لدول الخليج العربي، خصوصاً أن المملكة منذ مجيء خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز للحكم والأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد أصبح لها وزن أكبر ودور نشط في القضايا الإقليمية والدولية، وهذا الدور لا يريح كل من يكن للسعودية العداء. وتؤمن القيادة الرشيدة دائماً أن المملكة عمود البيت الخليجي، وأن أمنها واستقرارها من أمن واستقرار دول الخليج العربية. كما تدرك طبيعة المرحلة الحرجة التي تعيشها المنطقة والعالم وأهمية تنسيق المواقف الخليجية في التعامل مع متغيراتها ومستجداتها، وإحساس المملكة بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقها وباقي دول الخليج دفعها لحماية الأمن الخليجي والتصدي للتهديدات التي يتعرض لها في لحظة فارقة تمر بها المنطقة، وقد لعبت المملكة تحت قيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز أدواراً كبيرة في توحيد الصف الخليجي وعلاج أزماته وتنسيق الأدوار بين دوله للقضاء على أسباب الخلاف. ولم تأتِ مواقف القيادة محض مصادفة أو مجرد برتوكولات وإنما جاءت وفق رؤية مستقبلية، سعت وخططت بحكمة لتقوية الصف الخليجي، وترسيخ ثوابته وتدعيم مبادئه بما يضمن له مواجهة التحديات التي قد تعطل مسيرته. ويتذكر العرب والخليجيون على الدوام المواقف التاريخية للملك سلمان بن عبدالعزيز وقراراته الحاسمة والحازمة في مواجهة محاولات التدخل في المنطقة العربية من قبل أطراف خارجية لها أطماعها فيها، ودوره في خلق جبهة خليجية - عربية موحدة في التصدي لهذه التدخلات، وهو ما يتجسد بوضوح في عملية استعادة الشرعية في اليمن الشقيق التي سيقف أمامها التاريخ طويلاً ليؤكد أنها كانت محطة فارقة وفاصلة في العمل العربي الشجاع القائم على المبادرة والاعتماد على الذات في حماية المصالح العربية العليا وإجهاض مخططات التوسع والهيمنة ومواجهة المد الإرهابي الصفوي في شؤون دول المنطقة ومواجهة تنظيم الإخوان المجرم والتصدي للتطرف ونشر الصورة السمحة للإسلام. لذلك تراهن شعوب المنطقة الخليجية على القيادة السعودية في تحقيق تطلعاتها في التنمية والأمن والاستقرار، ولم يأتِ ذلك من فراغ وإنما من معطيات وشواهد بليغة ترتبط بمواقف المملكة التاريخية ورؤيتها الاستراتيجية الراسخة والشاملة، وكذلك لما تحظى به من تقدير وثقة دولية كبيرة تؤكد دور المملكة في الحفاظ على الأمن والاستقرار في الخريطة العربية والإسلامية، وصون أمنها واستقرارها من التدخلات الخارجية. فالمملكة لن تقبل بأي انحرافات وتجاوزات يمكن أن تحدث، مهما كانت المبررات، لكنها ستبقى دائماً وأبداً صمام الأمان ليس للدول الخليجية فقط، بل لكل أشقائها العرب في وجه المشروعات التخريبية التي تستهدف شق وحدة الصف الخليجي والعربي. تحصين الخليج لا يختلف اثنان على أهمية مجلس التعاون الخليجي ومكتسباته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أن استمراره دون تطوير يعني تقلص أدواته وقدرته على مواجهة المستجدات المختلفة السياسية والاقتصادية والأمنية، فالأخطار باتت تحيط بدوله، وإن بدت واضحة للبعض، تتوارى عن بعضها الآخر خلف إستراتيجيات مختلفة تنتظر ساعتها المواتية. فدول الخليج تنعم باستقرار اقتصادي وأمني واجتماعي وهو أمر قد لا يدوم إذا لم تهتم بتحصين نفسها من الأخطار المتوقع حدوثها مستقبلاً، ومن المخططات الإرهابية التي قد تُؤدِّي إلى تقويض أمنها واستقرارها. لذلك لم يعد الاتحاد الخليجي سياسياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً خيارًا ضمن الخيارات المتاحة، بل ضرورة تفرضها الحاجة الملحة. والجميع يعلم أن الدول الخليجية والمنطقة العربية بشكل عام تتعرض لتهديدات مختلفة، من النظام الصفوي الذي يرغب في اضطرابات وعمليات تخريبية وتدميرية لا تتوقف في المنطقة. ولا يمكن إيقافها إلا بتعاون عربي وخليجي حقيقي قائم على أسس مستدامة، لذلك المملكة تقدم كل الجهود وتعمل على توفير كل الإمكانات لتحقيقه، ويأتي تحركها على أكثر من صعيد لمعالجة المشكلات ورأب الصدع، وحماية المصالح الخليجية بشكل خاص والعربية بشكل عام، فالمنطقة مهددة وستظل كذلك طالما أن للنظام الصفوي مخططاته وأهدافه التخريبية. لذلك تأتي قمة الرياض ضمن الجهود التي تبذلها المملكة في سبيل تعزيز المصالح الخليجية المشتركة، والتصدي للمخططات التخريبية التي تستهدف أمنها واستقرارها. لمّ الشمل من المتوقع أن يبحث القادة الخليجيون عدداً من الموضوعات المهمة لتعزيز مسيرة التعاون والتكامل بين الدول الأعضاء في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى تدارس التطورات السياسية الإقليمية والدولية، والأوضاع الأمنية في المنطقة، وانعكاساتها على أمن واستقرار دولهم. فالتحديات التي تواجهها دول الخليج تتطلب التكامل والتعاون بينها في المجالات كافة، بما يخدم قضاياها لمواجهة التحديات والمخاطر، لأن هناك العديد من الملفات والقضايا الساخنة التي يصعب بل يستحيل مجابهتها بشكل فردي، وإنما تتطلب العمل معاً لحلحلتها وتسويتها. ومن المتوقع أن أبرز القضايا التي تلقي بظلالها على أجواء القمة ما يتصل بأسس حماية أمن الخليج والحفاظ على استقراره، ومواجهة المحاولات المستميتة للتدخل الخارجي في شؤونه والتي باتت تتخذ صوراً عديدة، للنيل من تجانس مكوناته الاجتماعية وتستهدف التأثير على وحدة صفه الوطني، فضلاً بالطبع عن التحديات الاقتصادية العديدة. لذلك نرى أن الدور القيادي الذي تلعبه المملكة في الخليج العربي خصوصاً، والعالم العربي والإسلامي عموماً، سواء من خلال دورها التاريخي أو من خلال رمزيتها الإسلامية، يفرض عليها التحرك، عند وقوع تهديدات، لتقريب وجهات النظر، والتوصل إلى حلول، والخروج بقرارات بناءة تعزز من اللحمة الخليجية وتعمق الترابط والتعاون والتكامل بين الدول الأعضاء. رسالة طمأنة تشكل قمة الرياض رداً عملياً على كل الأصوات المغرضة التي حاولت دق أسافين الشر في العلاقات الراسخة والتاريخية بين دول الخليج العربي. وقد جاء الرد واضحاً لا لبس فيه من خلال قمة الرياض التي تؤكد بأوضح المفردات أن المملكة لن تألو جهداً في تعزيز التضامن الخليجي وتأكيد حقيقة أن أمن واستقرار دول الخليج جزء لا يتجزأ من أمن واستقرار المملكة. فالموقف السعودي عبارة عن رؤية متقدمة ترى أن استقرار أي دولة خليجية هو استقرار للمملكة والمنطقة بكاملها، وأن أي خلل في منظومة الأمن الخليجي ينعكس سلباً على الجميع. وهذا الموقف السعودي يعزز العلاقات الخليجية الممتدة عبر عقود طويلة. وضوح الرؤية ما يميز السياسة السعودية، هو وضوح الرؤية واتزان الموقف، ويتضح ذلك من خلال مواقفها الثابتة في التعامل مع دول العالم المؤثرة في القرار الدولي والأخذ بعين الاعتبار البعدين العربي والإسلامي، وتُمثل المملكة القلب النابض للعالم الإسلامي عموماً وللخليج خصوصاً، وتستشعر مسؤوليتها في الوقوف والتكامل مع شقيقاتها، سواء ضمن مجلس التعاون الخليجي أو حتى قبل إنشائه، انطلاقاً من رابطة الدم واللحمة والتاريخ والجوار. وتشهد العلاقات السياسية بين المملكة ودول الخليج العربية انسجامًا فريدًا للتعاون المشترك بين قيادات تلك الدول التي نجحت في تأسيس تحالف قوي ووثيق يمكنه من مواجهة التحديات والتغيرات الإقليمية والحفاظ على وحدة صفه أمام ما يحاك ضده من المؤامرات والأجندات التي تفرضها المصالح الإقليمية والدولية. مواجهة الإرهاب تقوم المملكة بدور محوري ورئيسي في الحرب الدولية ضد التطرف والإرهاب، خصوصاً فيما يتعلق بالتصدي للجوانب الثقافية والفكرية، وهي جهود تحظى بتقدير المجتمع الدولي أجمع. وظل الموقف السعودي الحازم من الإرهاب والتطرف والكراهية ثابتاً وقوياً، ليجنب المنطقة أخطاراً عدة وليضيق الخناق على التنظيمات الإرهابية. كما أن المملكة حاربت دون هوادة تحالف الشر ما بين الإرهاب والطائفية الذي تقوده قوى إقليمية معادية ترتجي من خلال تدخلاتها السافرة في المنطقة العربية والخليجية إلى زعزعة أمنها واستقرارها. لذلك تعد المملكة بفضل من الله الحضن الدافئ والموطن الكبير والداعم الأكبر لأشقائها وصمام أمان لحفظ الاستقرار والسلام وتعمل على التعاطي بشكل موحد مع القضايا والمستجدات من خلال مبدأ التكاتف في مواجهة التحديات التي تواجه المنطقة مما شكل سداً منيعاً أمام المخططات الإرهابية التي يعلو سنامها النظام الصفوي. لذلك المملكة تتبع دائماً وأبداً سياسة حكيمة ومعتدلة ومواقف واضحة في مواجهة نزعات الطائفية والتطرف والإرهاب، والتشجيع على تعزيز الحوار بين الحضارات والثقافات. إيران الفوضى التغلغل الصفوي الإرهابي بات واضحاً لكل ذي بصيرة. والذي نجح في غرس عملائه في المنطقة العربية بشكل عام، ليشكلوا طابوراً خامساً يهتم بمصالح النظام الصفوي لا وطنهم الذي أواهم. فالنظام الصفوي يحاول جاهداً أن يغرق دول الخليج في مستنقع الفوضى ما يحتم ويستوجب عليها التحرك الاستباقي لمواجهته. كما أن النظام الصفوي يحاول جاهداً دفع المنطقة العربية والخليجية إلى صفيح ساخن قابل للاشتعال في أي لحظة، ويعرض أمن دولها وشعوبها ومكتسباتها للخطر، ما حتم تحرك المملكة باتجاه الدعوة إلى تعزيز التنسيق الخليجي وقطع الطريق أمام هذا النظام. ولا شك أن وزن وحجم المملكة في الإدراك الكبير للمخاطر الصفوية حتم عليها العمل مع شقيقاتها على صون وحدة الخليج وجمع كلمته وحفظ استقراره لتقويض بل لإفشال المشروع الفوضوي، خصوصاً أن العلاقات الخليجية تستند إلى أسس راسخة من الرؤى والأخوّة والمواقف والتوجهات المتكاملة وترتكز إلى موروث من التوافق والتفاهم والتنسيق المستمر حول مجمل القضايا. لهذا القيادة السعودية تؤكد دائماً على أن المخطط الإيراني لإشعال منطقة الخليج لن يمر ولن يجد أرضية خصبة للتجسيد. ختاماً.. المملكة العربية السعودية حريصة على وحدة الصف الخليجي وحل أي أزمة قائمة عن طريق الحوار البناء، ودائماً ما تقوم على رأب الصدع وحل الخلاف القائم عن طريق الحوار الذي يضمن الحفاظ على وحدة وأمن وسيادة دول مجلس التعاون الخليجي. وتعمل على إفشال المحاولات الرامية لزرع بذور الفرقة والتناحر بين الأشقاء الخليجيين، محذرة من مخاطر إعطاء أي فرصة لأولئك الذين يتصيدون بالماء العكر لتأزيم العلاقة بين دول الخليج العربي لخدمة مشروعاتهم البغيضة. لذلك ينتظر أن تتمخض عن قمة الرياض قرارات حاسمة قادرة على ترجمة تقارب وجهات النظر الخليجية حول القضايا المصيرية، حين يتعلق الأمر بمستقبلها وأمنها واستقرارها.