عندما برزت أميركا على المسرح الدولي في بداية القرن العشرين كقوة عظمى، وذلك عندما رجحت كفة الحرب العالمية الأولى لصالح الحلفاء بانضمامها إليهم وتحقيق النصر لهم. أدرك الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - بفراسته وحنكته السياسية أهمية وضرورة توثيق علاقته مع هذه الدولة العظمى الجديدة فقام في العام 1933م بمنح شركة ستاندارد أويل أدف كاليفورنيا امتياز التنقيب واستخراج النفط تحولت هذه الشركة إلى شركة الزيت العربية الأميركية ثم العام 1988م تحولت إلى شركة الزيت العربية السعودية وأصبحت مملوكة بالكامل للحكومة السعودية. ويلاحظ أن فراسة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وعبقريته السياسية في تأسيس وتوثيق العلاقات بين المملكة وأميركا كانت في محلها التام بالرغم من أنه في تلك الفترة كانت بريطانيا العظمى هي التي تهمين على المسرح الدولي ومنها الدول العربية المجاورة لحدود المملكة من الجهات الأربع، إلا أن الملك عبدالعزيز حرص على أميركا لتوقعه أن هذه الدولة ستصبح عظمى، وسوف تحل محل بريطانيا وفرنسا في زعامة العالم الغربي، وهو ما تم في العام 1956م بعد العدوان الثلاثي على مصر، وأصبحت أرامكو في العام 1968م أول شركة زيت بالعالم تنتج مليار برميل من الزيت في عام واحد وتعتبر حاليا أكبر شركة في العالم من حيث قيمتها السوقية. وفي العام 2015م أمر الملك سلمان - حفظه الله - بإنشاء المجلس الأعلى لأرامكو برئاسة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - رعاه الله - ويتكون المجلس من عشرة أعضاء، خمسة منهم من أعضاء مجلس إدارة أرامكو. وبعد ذلك بعام صرح سموه الكريم بإمكانية طرح جزء من أسهم الشركة للاكتتاب العام، فتناقلت وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية ذلك الخبر باهتمام كبير، وأحدث ذلك التصريح ردود فعل إيجابية كبيرة في الأوساط المالية الاقتصادية العالمية لمعرفتهم أولا بحكمة ومصداقية القيادة السعودية، ثم بمكانة المملكة الاقتصادية، ولإدراكهم تاريخ ووزن وحجم شركة أرامكو، وكأن التاريخ يعيد نفسه في فراسة الملك عبدالعزيز خلال ابنه الملك سلمان بن العزيز وحفيده سمو الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله - في طرح جزء من أسهم هذه الشركة العملاقة للاكتتاب الداخلي ثم الخارجي وهو أمر سيدعم اقتصاد المملكة ورصيدها المالي بقوة كبيرة ويعزز الثقة المالية الدولية للمملكة ضمن الدول العشرين الأقوى اقتصاديا التي تعمل على تطوير وتعزيز الاقتصاد العالمي وتوفير فرص عمل وتفضيل مبادرات التجارة المنفتحة. أما محليا فإن هذا الاكتتاب لهذه الشركة العظيمة سيدعم بقوة الرؤى والخطط لرؤية 2030م، التي طرحها ويتبناها سمو ولي العهد. ولقد حرصت عندما تشرفت بتعييني سفيرا لخادم الحرمين الشريفين بالبحرين في العام 2009م أن تكون من أولى المهام ضمن التوجيهات السامية الكريمة زيارة شركة أرامكو بالمنطقة الشرقية وبالرغم من كل ما قرأت وسمعت عنها فإن اطلاعي عن كثب على أعمالها ونشاطاتها الإدارية والعلمية والعملية زاد من إعجابي الشديد بها. سائلا الله - عز وجل - بالرفعة والعزة والقوة للقيادة الكريمة بالمملكة التي منذ أيام الملك عبدالعزيز وأبنائه البررة الملوك الكرام، حريصة بقوة على دعم ورعاية هذا الصرح الاقتصادي الكبير (أرامكو) الذي هو ضمن المشروعات الجبارة التي قامت بالمملكة في كافة المجالات، الأمر الذى جعل المملكة - ولله الحمد - قلعة حصينة للعرب والمسلمين، سائلا العلي الكريم أن يطيل في عمر خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسموه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ويزيدهما من توفيقه ورعايته.