من بين آلاف الأمثال الشعبية التي دوّنها الشيخان عبدالكريم الجهيمان - رحمه الله - في موسوعته (الأمثال الشعبية في قلب الجزيرة العربية) ومحمد العبودي -حفظه الله - في (الأمثال العامية في نجد) - يجد القارئ قليلًا من الأمثال التي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بموضوع الشعر، في حين تكثر الأمثال التي هي في أصلها أشطر من أبيات شعرية، توافرت في بنيتها المقومات التي ساعدتها على الحضور الدائم على ألسنة المتلقين، وعلى جريانها مجرى الأمثال. وتحوّل أشطر الأبيات مع مرور الزمن إلى أمثال تستقل بذاتها عن سياقها الشعري، ويستعملها الناس خارج إطار القصيدة. ظاهرة تجلّت بوضوح في تجربة شاعر العربية الكبير المتنبي وغيره، وقد كتب عن تلك التجربة من القدامى الصاحب ابن عباد (ت385ه) في كتابه (الأمثال السائرة من شعر المتنبي). أشطر شعرية كثيرة من قصائد نبطية شهيرة جرت مجرى الأمثال على ألسنة الناس مثل: (اللي نبي عيا البخت لا يجيبه)، و(اضرب على الكايد لا صرت بحلان)، و(من لا تقاضى حي يقمح إلى مات)، وغيرها. لكن الباحث يجد أمثالًا أخرى تتعلق بموضوع الشعر تعلقًا واضحًا وذكرها الشيخان، لكن تداولها قلّ أو لم تعد تُسمع إلا نادرًا، ومن بينها المثل القائل: (العصيدة جابت القصيدة)، والعصيدة نوع من الطعام المعروف عند أهل نجد، ويضرب المثل «لبعض أسباب المديح والثناء، وأن إكرام المعدة بالطعام قد يدفع الشاعر إلى أن ينظم القصائد ويتغنى بالمحامد». ومن تلك الأمثال أيضًا: (الشاعر إلى طِلب شعره تغلّى)، ومعناه، بحسب العبودي، أن «الشاعر إذا طُلب منه أن ينشد شعره تغالى به، وامتنع عن إنشاده، مع أنه من عادة الشاعر أن يعرض شعره على الناس دون مقابل. يُضرب للرجل يتغالى بشيء كان يبذله». وثمة أمثال لا ترتبط بموضوع الشعر مباشرة، لكنها توظّف مفهوم الشعر ومصطلحاته للتعبير عن موضوعات وأفكار متنوعة، ومن تلك الأمثال: (غايبك من الشعر بيت)، الذي يُضرب مثلًا لبعض الأحكام الناقصة، أو (يغنّي ولا معه قصيدة)، الذي يضرب مثلًا «لمن يقوم بعمل لم تتوفر أهم مقوماته». يُضاف إليها أمثال لم ترد ضمن أبيات شعرية، ولم ترتبط بموضوع الشعر مباشرة، لكنها كانت نتيجة لقصص كان أبطالها من الشعراء الشعبيين، ومن أبرز تلك الأمثال المثل الشهير: (هذا بلا أبوك يا عقاب)، وأصله عبارة وردت على لسان الشاعر المعروف نمر بن عدوان، يخاطب فيها ابنه في قصة معروفة ذكرها العبودي في الأمثال العامية. ما يميز الشعر دائمًا هو قدرته الكبيرة على الاستمرار والحضور في سياقات مختلفة، وكما كان حاضرًا في الأمثال والرسائل والخطب وغيرها، نجده يعزز حضوره اليوم في السرد والفن التشكيلي والإعلانات، وفي غيرها من الآداب والفنون الحديثة.