- عبدالله العليوي الحديث عن شعر المرحوم عبدالله العليوي (ت 1424ه) حديث لا ينتهي، ومؤكد أنه لا يُملّ لأن موضوعه العذوبة، ومن ذا الذي يمل من أحاديث الروح النقية، ونفحات الجمال في زمن نحن أحوج ما نكون فيه إلى جرعات منعشة من خلجات القلوب وعبير الجمال. والعليوي رحمه الله من أساتذة هذا الفن الذي تفرزه الأكباد المحترقة، والزفرات المشتعلة، وهو فنّ لا يتأتى بالخبرة النظرية والقدرة الأدبية بقدر ما تتيحه التجربة الحقيقية (المعاناة)، وصدق المشاعر التلقائي هو الأكثر تأثيراً مهما بلغ الخيال (التقمص) من الجمال والرقة والعذوبة.. ومع ذلك فالحديث هنا ليس عن جمال روح العليوي ورقة وعذوبة قصائده، أو صدق معاناته فقد كتبتُ في هذا من قبل وكتب كثيرون قبلي وبعدي. بل الحديث هنا عن (المعنى) أو الصورة الحلوة التي أسرت العشاق والمتعاشقين والمتذوقين (الهواوية) في بيت السياحة أعلاه منذ أن غنى القصيدة توأم الشاعر الفني ورفيق دربه في صناعة الجمال والإبداع، الفنان عبدالله الصريخ، قبل ما يزيد على ثلاثة عقود. ثم جاءت وسائل الإعلام والتواصل مع مطلع الألفية الميلادية أو قبلها بقليل، فانتشر البيت عبرها كما انتشر غيره من الأبيات الجميلة. (أبكيت من يضحك على اللي يحبون) هذه العبارة المسكوكة بهذه الصورة هي بؤرة الإبداع الذي صنع المفارقة المدهشة بتوظيف التضاد، واختيار العبارة الموجزة السائغة، والصياغة السلسلة، وثلاثة أرباع الجمال في الشعر تكمن عادة في روعة الصياغة. إنها عبارة اختصرت التجربة بست كلمات، فأذهلت كل قلب يهفهفه الهوى ويتلاعب به، وأسرت كل قريحة تطرب للمعنى الجميل الحلو الذي يشخص حالة إنسانية تتكرر في كل زمان ومكان، وربما في كل روح. وجاء التأسيس لهذا المعنى بعبارة سينمائية متحركة هي (أرمي سلاحي واعترف بانتصارك)، فقد رسمت مشهد الصراع بكلمتين، وجسدت الفروسية والنبل بكلمتين أيضاً، عشر كلمات من قاموس (الحب والحرب) لامست القلوب، وأنعشتها بجمال فائق من خلال معنى ملتقط من درب الهوى كان ملقى أمام العابرين فلم تفطن له أعين بعض شعراء النبط العذري، أو فطنت له فلم تقتنصه، أو اقتنصته فلم تعرضه بروعة وجمال هذا العرض. لكن هل هذا المعنى جديد فعلا؟ أم أنه معروف مطروق؟ الحق أنني لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال فيما يخص الشعر النبطي، لا لشيء إلا لأنني لست محيطاً بهذا المحيط، لكنني أستطيع أن أجيب بالنفي فيما يتعلق بالشعر الفصيح، فقد طرقه كثيرون، وسأكتفي - للاختصار ولأمر آخر - بهذين البيتين للمتنبي: والجميل في بيتي المتنبي أن الشطر الأخير من البيت الثاني يمثل ترجمة واضحة للمثل العامي النجدي: (الطِّنْزِه تلحق!)، والطِّنْزِه: السخرية، والمعنى أن من سخر من شيء لحقه ذلك الشيء فيما بعد، أي أصابه فصار كمن سخر منه. وهذا المعنى ليس من ابتكار المتنبي أيضاً، بل هو من المعاني العامة الدارجة منذ القدم، ولعله رائج - وإن بصور أخرى - في معظم المجتمعات الشعبية العربية قديماً وحديثاً. وجاء في الحديث: (لا تظهر الشماتة لأخيك - وفي لفظ بأخيك - فيعافيه الله ويبتليك). رواه الترمذي والطبراني عن واثلة مرفوعا وقال: «حسن غريب» وفي رواية? بن أبي الدنيا (فيرحمه الله) بدل (فيعافيه الله ويبتليك). وروى ابن عساكر عن نافع أن ناساً كانوا في الغزو مع أبي عبيدة فشربوا الخمر، فكتب إليه عمر رضي الله عنه، أن يجلدهم وكان الناس عيروهم فاستحيوا ولزموا بيوتهم، فكتب عمر رضي الله عنه: لا تعيروا أحداً فيفشو البلاء فيكم. منقول بتصرف يسير من كشف الخفاء ومزيل الإلباس. والحديث أورده الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة. ** ** [email protected]