ينبهر الزائر لمدينة الرياض بأبراجها الشاهقة، وكثافة سكانها، ومشروعاتها التنموية التي لا تتوقف مع تعاقب الليل والنهار حتى شكلت صورة عصرية لمدينة الرياض لا تكتمل أبعادها إلا بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم التقنية التي يخترق الضوء أسوارها من ثلاثة اتجاهات، وُعدّت أسطورة الخيال العلمي science fiction التي صنعت من العلوم الفيزيائية والبيولوجية والتقنية آفاقًا رحبة نحو مستقبل سعودي مشرق يواكب رؤية 2030 ويزيد من رفعة المملكة في مختلف الميادين. ولي العهد سجل مرحلة جديدة في مسيرة المدينة وأسس سبعة مشروعات استراتيجية ومع بداية النهضة التنموية في المملكة وتحديدًا في العاصمة الرياض بدأ بريق هذه المدينة الواعدة يلوح في الأفق قبل 42 عامًا عندما كان نواتها «المركز الوطني العربي السعودي للعلوم والتقنية»، الذي أنشئ في العام 1977م ليضطلع بدوره في إجراء البحوث العلمية التطبيقية لخدمة التنمية وتقديم المشورة العلمية على المستوى الوطني إلى أن حل العام 1985 م وصدر مرسوم ملكي بتغيير اسم المركز إلى مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية للنهوض بهذا القطاع الحيوي. مشروعاتها مواكبة لكل جديد في عالم التقنية.. وستناقش موضوعاتها في قمة العشرين وعلى الرغم من أن ذاكرة المتابعين لمسيرة المدينة ظلت مرتبطة لسنين عديدة في حدود تشغيل الإنترنت ودعم البحوث العلمية فقط، إلا أن المدينة ما لبثت حتى أصبحت جزءًا مهمًا من منظومة الاقتصاد الوطني وشريكًا استراتيجيًا في أي مشروع وطني، وعملت مع 15 قطاعًا من قطاعات التنمية في المملكة في مجال البحث والتطوير لتنفيذ برامج ومشروعات علمية في مجالات: الطاقة، المياه، التعدين، النفط والغاز، المواد المتقدمة، البناء والتشييد، الصحة، الاتصالات، تقنية المعلومات، الزراعة، النقل والخدمات اللوجستية، العلوم النووية، الفضاء، الطيران، البيئة. مبادرات نوعية جعلت المملكة مركزًا عالميًا للخدمات اللوجستية في قطاعات النمو الواعدة وتتكون مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية من مجموعة متناسقة من المباني الذكية والطرق المعبدة غرب مدينة الرياض، وتزخر بكوادر وطنية من الجنسين يعملون بصمت في شتى مجالات العلوم التطبيقية لكنهم إذا شاركوا في أي مشروع علمي إقليمي أو دولي لا يقنعون بما دون النجوم حتى أن المملكة بفضل الله تعالى، ثم بهذه الجهود النوعية حلت في المركز 36 عالميًا في عدد الأوراق العلمية المنشورة حيث تنشر نحو 0.6 ورقة علمية لكل ألف نسمة مقارنة مع 2.46 ورقة علمية في المتوسط العالمي لأفضل 30 دولة، وحلت في المرتبة الأولى عربيًا والمرتبة 41 عالميًا وفقًا لمقاييس مؤشر جودة النشر العلمي ( H-index) . كما حلت المملكة الأولى عربيًا وإقليميًا في عدد براءات الاختراع الممنوحة للفرد الواحد حيث بلغ عددها (569) براءة اختراع في العام 2018م، وفي المرتبة 47 ضمن مؤشر صادرات المنتجات عالية التقنية، وفي المرتبة 45 وفقًا لمؤشر نصيب الفرد من الصادرات عالية التقنية، بينما حققت المرتبة 42 عالميًا في معدل الإنفاق على البحث والتطوير نسبة إلى الناتج المحلي حيث تنفق المملكة 0.8 % من إجمالي الناتج المحلي مقارنة مع 2.2 % الذي يمثل متوسط إنفاق أكثر من 30 دولة على البحث والتطوير. وبتوجيهات قادة هذه البلاد المباركة الذين آمنوا بأهمية مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية والأدوار التي يعوّل عليها في مواكبة مجالات العلوم لاسيما بعد أن تغلغلت تقنياتها في جميع مناحي الحياة؛ أكملت المدينة مسيرتها العلمية والبحثية بكل اقتدار وحققت إنجازات عديدة لتصل إلى الفضاء عبر 15 قمرًا صناعيًا سعوديًا، وتوسعت في مجالات البحث مع دول العالم المتقدم لتضرب أطنابها في أرقى مراكز البحث والجامعات العالمية. وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - الذي أطلق رؤية المملكة 2030 رفعت المدينة من سقف طموحاتها لتصل إلى سطح القمر في رحلة نادرة مع الصين لاستكشاف الجانب غير المرئي للقمر، وقدمت مبادرات نوعية ضمن برنامج التحول الوطني 2020 لتدعم تحول المملكة إلى قوة صناعية رائدة، وتجعلها مركزًا عالميًا للخدمات اللوجستية في قطاعات النمو الواعدة من أجل دعم الاقتصاد الوطني. إضافة إلى ذلك، سجل صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع - حفظه الله - مرحلة جديدة في مسيرة المدينة حينما وضع - أيده الله - في الخامس من نوفمبر من العام 2018م حجر أساس سبعة مشروعات استراتيجية في مجالات الطاقة المتجددة والذرية وتحلية المياه والطب الجيني وصناعة الطائرات، واشتملت كذلك على مشروعات كبرى من بينها أول مفاعل للأبحاث النووية، ومركز لتطوير هياكل الطائرات. والمتابع لمشروعات مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وتقدمها المذهل في ظل ما تجده من دعم واهتمام من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين - حفظهما الله - سيجد أنها مواكبة لكل جديد في عالم التقنية بكل اتجاهاته.. الأمر الذي يؤكد أنها لن تكون بمعزل عن موضوعات قمة قادة مجموعة العشرين التي تستعد المملكة العربية السعودية لاستضافتها خلال شهر نوفمبر من العام 2020م حيث تنسجم بعض موضوعاتها المتوقع مناقشتها فيها - كما أعُلن في قمة اليابان الماضية - مع استراتيجية المدينة البحثية مثل: الابتكار، والحفاظ على البيئة، ومصادر الطاقة والمياه، وأمن المياه، التي تشغل اهتمام قادة دول أكبر اقتصادات العالم نظير أهميتها للإنسان. وتأكيدًا لهذه الجهود المثمرة، أعدت المدينة استراتيجية البحث والتطوير والابتكار كإحدى ممكنات «برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية» لتكون بديلاً لبرنامج الخطة الوطنية للعلوم والتقنية والابتكار الهادفة إلى تطوير منظومة العلوم والتقنية في المملكة، وذلك بمشاركة 88 مسؤولًا من منتسبي مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وممثلين عن 21 جهة حكومية وخاصة، و20 خبيرًا من الخبراء العالميين، وتشمل هذه الاستراتيجية ممكنات منظومة البحث والتطوير والابتكار، ومؤسسات البحث والتطوير، ووسطاء التقنية العالميين، في قطاعات: الطاقة، والصناعة، والتعدين، والخدمات اللوجستية. وتقود مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية «استراتيجية الثورة الصناعية الرابعة» لتحدد من خلالها الآليات الممكنة للصناعة الرابعة في المملكة عبر 12 مبادرة قامت بإعدادها واعتمادها وتشمل: دعم البحث العلمي، والبحث والتطوير، ودعم الابتكار، وجرى إنشاء مركز الابتكار للصناعة الرابعة في الرياض، ويجري التخطيط حاليًا لإنشاء عدد من المراكز المماثلة في مناطق المملكة بالتعاون مع الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية «مدن»، وبرنامج التجمعات الصناعية. ويتنوع العمل الدؤوب الذي تقوده المدينة في مجال العلوم والتقنية ومنها على سبيل الذكر لا الحصر: دعم أنشطة البحث العلمي والتطوير في المؤسسات ومراكز البحوث الوطنية الحكومية والخاصة من خلال مبادرات برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية الذي يضم برامج أبحاث: العلوم الأساسية، والتطبيقية، وطلبة الدراسات العليا، والموجهة، وفي العام 2018م تم إجازة 195 طلبًا لمنح البحوث التطبيقية، و281 طلبًا في البحوث الأساسية، و487 طلبًا لمشروعات الدراسات العليا. وتقدم المدينة عددًا من المبادرات الرئيسة التي تنطلق من منظور العرض والطلب لأسواق العمل، فتسعى عبر مبادرة تأهيل الكوادر البشرية إلى تطوير منظومة البحث والتطوير والابتكار في المملكة ورفع نسبة الباحثين السعوديين من 1150 باحثًا إلى 3000 باحث لكل مليون نسمة، إلى جانب تأهيل الكوادر المحلية والاحتفاظ بها من خلال البرامج التدريبية: «علماء المستقبل، القادة التقنيون، باحثو ما بعد الدكتوراه» وتوفير الحوافز المالية الضريبية لجذب المواهب وتسجيعهم على العمل في مجال البحث والتطوير في المملكة. وأنشأت المدينة 14 مركزًا من مراكز التميز المشتركة بالاشتراك مع كبرى المؤسسات البحثية والجامعات في مجال البحث العلمي بهدف تنفيذ مشروعات بحثية ذات أولوية قصوى للمملكة في المجالات الحيوية والاستراتيجية، وتوفر فرصًا تدريبية وبحثية للباحثين السعوديين الناشئين مما يمكنهم من المنافسة في إكمال دراساتهم العليا في أرقى الجامعات العالمية، وخلال العام 2018م تم قبول عدد من السعوديين لمرحلتي الماجستير والدكتوراه في معهد ماساتشوستس للتقنية، وجامعة أكسفورد، وجامعة بيركلي. وفي مجال علوم الطيران نفذت المدينة عددًا من المشروعات شملت: مشروع المحرك التوربيني النفاث TKF-500 Turbofan، ومشروع تصميم مبنى اختبار المحركات النفاثة وتوريد منصّات الاختبار، ومشروع تحويل طائرة عمودية إلى طائرة من دون طيار، ومشروع تحديد النظام الديناميكي للطائرات ذاتية التحكم باستخدام الذكاء الصناعي، ومشروع صقر 4 - ب للطائرات من دون طيار، ومشروعات الدراسات الأساسية لوقود الدفع الأخضر، ومشروع استخدام التقنيات الحاسوبية لمحاكاة ديناميكية المركبات الهوائية الصغيرة. ولمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية نافذة علمية أخرى، فقد أسهم برنامج «بادر» لحاضنات ومسرعات التقنية أحد أهم البيئات الوطنية والإبداعية التابعة للمدينة في دعم ريادة الأعمال والابتكار في المملكة، ومنذ تأسيسه في العام 2007م حتى العام 2017م تم دعم 335 مشروعًا تقنيًا من حاضنات بادر الثمانية، وأسهمت الشركات المختصة بذلك في استحداث قرابة 2053 وظيفة لأبناء الوطن سواء بدوام كامل أو جزئي، وبلغ إجمالي الاستثمارات التي حققتها الشركات الناشئة لدى البرنامج حتى العام 2018م مبلغًا قدره 271 مليون ريال. أما في مجال الإنترنت، فقد أنشأت المدينة بسواعد وطنية الشبكة السعودية للبحث والابتكار «معين»، كشبكة وطنية موازية لشبكة الإنترنت الحالية وتتميز بقدرتها على تحقيق متطلبات البحث العلمي وكفاءة نقل البيانات بين مشتركيها، وإنشاء قاعدة الأبحاث السعودية «قبس»، والبنك الآلي السعودي للمصطلحات «باسم»، وقاعدة البيانات الوطنية، والمرصد الوطني للأنشطة البحثية والتطوير والابتكار في المملكة، وقواعد المعلومات العلمية العربية والإنجليزية، والمكتبة الرقمية. ولنقل هذه العلوم والمعارف إلى المجتمع المحلي والعالمي بشكل مبسط كثفت المدينة جهودها في مجال نشر الثقافة العلمية عبر إسهاماتها في النشر العلمي المتمثل في إصدار عدد من المجلات العلمية تشمل: مجلة العلوم والتقنية، ومجلة العلوم والتقنية للفتيان، ومجلة «نيتشر» الطبعة العربية بالتعاون مع مجموعة «سبرنجر نيتشر البريطانية»، كما تصدر 8 مجلات علمية محكمة بالشراكة مع الناشر العلمي سبرنجر وهي: التقنية الحيوية، علم النانو التطبيقي، علوم المياه التطبيقية، بحوث البتروكيميائيات التطبيقية، تقنية الاستكشاف والإنتاج البترولي، مولدات الطاقة المتجددة والمستدامة، علاوة على جهود علمية أخرى في مجال التأليف والترجمة. ولي العهد أسس لمشروعات جديدة في مسيرة المدينة مشروع صناعة الطائرات من دون طيار الطاقة المتجددة أنشأت المدينة بسواعد وطنية الشبكة السعودية للبحث والابتكار «معين» كفاءات نسائية وطنية