نظراً للازدياد المضطرد في عدد المركبات الخاصة والسكان، تولي العديد من المدن المتقدمة حول العالم اهتمامًا متزايدًا لتوفير أنظمة نقل مستدامة مثل خدمة النقل العام. من الأمثلة على ذلك مدينة الرياض، التي كان من أبرز سماتها خلال الثلاثة عقود الماضية النمو الكبير في ملكية المركبات وعدد السكان وتسعى الان جاهدةً لافتتاح واحد من أضخم مشاريع النقل العام المتقدمة. وقد قمت بدراسة حول هذا الموضوع هدفت من خلالها لاستشراف دور مشروع النقل العام (مترو الرياض وشبكة الحافلات) والاستراتيجيات المصاحبة له للحد من استخدام السيارات الخاصة في التأثير إيجابا على المحاور الرئيسية للمدينة كالتخطيط الحضري للمدينة، اقتصادها، بيئة المدينة وأعراف وثقافة مجتمع مدينة الرياض. وللوصول للهدف الرئيسي من الدراسة قمت بإجراء مقابلات شخصية على عينة انتقائية شملت 25 من خبراء النقل والمسؤولين في الجهات ذات العلاقة بنظام النقل والأكاديميين في مدينة الرياض، حيث عرضت على أفراد العينة عدة استفسارات لقياس إلى أي مدى تأمل الجهات المسؤولة عن مشروع النقل العام والاستراتيجيات المصاحبة له في التأثير إيجاباً على المحاور الرئيسية للمدينة بعد اكتمال إنشائه. أوضحت الدراسة إلى أن من الإيجابيات المأمولة من دخول مشروع النقل العام لمدينة الرياض هو المساعدة في تقلص التمدد الأفقي للمدينة، زيادة الكثافة السكانية وتنمية المناطق التي يصل إليها النقل العام والمحاذية لخطوط وخاصةً القريبة من المحطات الرئيسية. بالإضافة إلى زيادة نسبة الكثافة السكانية في تلك المناطق وانتعاش الحياة المدنية وتعزيز ثقافة المشي وتمركز الخدمات. اقتصادياً، أشارت الدراسة إلى أن دخول خدمة النقل العام سوف يؤدي إلى نمو اقتصادي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على مدينة الرياض. حيث إن النقل العام من شأنه تيسير التنقل إلى أماكن العلم والعمل والتسوق والترفيه، ويقلل من زمن الرحلات اليومية، بالإضافة إلى خلق المزيد من فرص العمل، تحسين مستوى السلامة المرورية وتقليل تكلفة الحوادث، يساعد في انتعاش حركة الاقتصاد حيث إن قيمة المشروع تعتبر داعما قويا لاقتصاد مدينة الرياض. كما بينت الدراسة أنه سوف يكون هناك توفير في استهلاك الطاقة وتكلفة إنشاء الطرق وتقليل الأثر البيئي لوسائل النقل الخاصة. كما أفاد أفراد العينة أنه يحرق حاليا ما يعادل 17 مليون لتر من الوقود نتيجة لما يقارب 8 مليون رحلة يوميا للمركبة الخاصة مما ينتج عنه آلاف الأطنان من الجزيئات الصلبة وثاني اكسيد الكربون، حيث بدخول النقل العام سوف يكون هناك تحول بما يعادل 15% إلى 20% من تلك الرحلات إلى النقل العام، مما يكون له أثر في تقليل التلوث البيئي والصوتي الناتج من الاعتماد المفرط للمركبة الخاصة. وفيما يتعلق بالأعراف والثقافة الاجتماعية أشارت الدراسة إلى أن دخول خدمة النقل العام والاستراتيجيات المصاحبة سوف تساعد في عملية الدمج الاجتماعي لكافة شرائح مجتمع مدينة الرياض على المدى الطويل. حيث أوضحت أن تحول المجتمع من مستخدم للمركبة الخاصة إلى وسائل النقل العام سوف يعزز التواصل بين أفراد المجتمع من خلال الانتقال سوياً للوجهات اليومية، ويقضي على كثير من عدم التواصل بسبب التنقلات الفردية بالمركبة الخاصة.