أحد مؤشرات القياس للشركات الخاصة أو الجهات الحكومية هو معدل تحصيل مستحقاتها. فبطء التحصيل يعني خللاً في كفاءة الإدارة أو ضعف الكفاءة المالية للطرف الآخر، بمعنى أنه يستخدم الخدمة/ يحصل على المنتج دون أن يكون لديه القدرة المالية الكافية للسداد في الوقت. والمطالبة بالحق الواضح لا جدال عليها بل بالعكس كلما كان هناك سرعة بالتحصيل يعني إتاحة الفرصة لإعادة استثمار هذه الأموال مرة أخرى، وهو ما سينعكس على زيادة التوظيف أو زيادة إنتاج ودعم للاقتصاد. أسرفت بعض الجهات الحكومية والشركات الخاصة تحديداً بمسألة إصدار فواتير أو مبالغ استحقاق يرى المواطن أنها غير صحيحة، لكن نموذج العمل الحالي يمنع العميل من رفع الاعتراض على المبلغ حتى يقوم بتسديده أولاً! وبعد التسديد يعترض ليتم دراسته والبت في الأمر. إشكالية هذا الأمر حتى وإن كان المبلغ خاطئاً 100 %، والموظف في الشركة يوافقك الرأي إلا أن نظام الشركة يمنعه من تقديم اعتراضك على المبلغ قبل سداده. ولا يوجد تكافؤ بين المواطن بقدرته المالية المحدودة مقارنة مع القدرة المالية للشركات. وتخيل هذا السيناريو لو تم إجبار العميل على دفع هذه المبالغ ثم قدم اعتراضه، في حال أن هذا الشخص اعتاد على ادخار جزء من أمواله في وديعة أو صندوق مضاربة بالعملات أو حتى استثمار بسيط في صناديق أو أسهم. صحيح أن الحق سيعود لأصحابه ولا خوف من ذلك لكن بسبب حجز ماله لفترة حتى إنهاء إجراءات رفع البلاغ وإعادة المبلغ فهذا فيه تفويت فرصة ربح له، من يعوضه عنها؟ ويزداد الأمر سوءاً لو اضطر بسبب سداده لهذه المبالغ التي يريد الاعتراض عليها، إلى الاقتراض سواء عن طريق بطاقة ائتمانية أو القروض الجماعية التي انتشرت مؤخراً عن طريق التطبيقات أو حتى بنوك تجارية، تكلفة هذا الدين تعتبر مصاريف زائدة عليه هو في غنى عنها. فمن يعوضه بهذه الحالة عن تكاليف هذا الدين؟ وكل هذا يهون في حال تم إدراج اسم الشخص بقوائم سمة، لأنه قرر عدم السداد، لأنه يرى أن هذا المبلغ غير صحيح، ويريد أن يعترض عليه قبله سداده. المال والوقت وجهان لعملة واحدة، فالمال يحتاج للوقت لينمو، والوقت في متابعة إجراءات هذا الاعتراض، وحجز المبلغ عليك يفوت عليك فرصاً مالية. المواطن أمام هذه الجهات العملاقة بلا شك هو الحلقة الأضعف، فليس للمواطن خبرة كافية قانونياً ولا ملاءة مالية كبيرة مثل ما هي الحال لهذه الجهات، لذلك يحتاج المواطن في هذه الحال لتحديث النظام واللوائح لترسم حدود هذه المسألة. لا أعتقد أنها مهمة مستحيلة لا قانونياً ولا تقنياً من إتاحة خيار الاعتراض على المبالغ المختلف عليها قبل صدور الفاتورة.