يرغب العديد من الأشخاص في زيادة حصيلتهم المعرفية في أحد الموضوعات بشكل كبير أو تعلم مهارة ما بشكل متقن يضعه بمصاف العلماء أو الخبراء الذين يشار لهم بالبنان، ولكن يفاجأ الأغلب بالفشل بالوصول إلى مبتغاه وذلك لأحد سببين غالباً وهما استعجال النتائج وعدم القدرة على التركيز على موضوع واحد حتى إتمامه والتمكن منه. فنجد أن أحد الأشخاص على سبيل المثال عندما يقرر أن يطور مهاراته في أحد التخصصات التقنية يقوم بالتسجيل بإحدى الدورات إما حضورياً أو عن طريق الإنترنت أو يبدأ بقراءة أحد الكتب التخصصية، وفي ظنه بأن مفعول هذه الدورة أو المحاضرة أو الكتاب عليه هو مفعول عصى موسى على الجمادات، ويعتقد بأنه سيتقن المهارة في بضع ساعات وهو يحتسي كوب القهوة الساخن. ومع مرور الأيام، قد لا يكمل صاحبنا الدورة أو الكتاب خاصةً إذا طال عليه الأمد كما يقال ولم يرَ نتائج ملموسة وسريعة تشعره بالرضا الداخلي عندها يبدأ بالانشغال بأمور أخرى تحيد به عن هدفه الذي وضعه لنفسه بداية الأمر. أو أنه ومع مرور الوقت لمح بريق دورة أخرى أو موضوع آخر أثار فضوله وحماسه وأصبح يراه أكثر أهمية مما بين يديه حالياً ويفكر جدياً بترك ما هو قائم عليه الآن ومتابعة الموضوع الجديد أو الدورة الجديدة أو الكتاب الجديد. هذا السيناريو أو ما يمكن وصفه بالدوران في حلقة مفرغة من عدم المقدرة على التركيز على موضوع واحد قد يستمر لعدة سنوات، يكتشف الشخص بعد ذلك بأنه ومع مرور كل هذه الأعوام لم يطور أي مهارة بشكل جيد ولم يقرأ حتى كتاباً واحداً ولم يزد رصيده المعرفي بشكل رصين بسبب الركض خلف بريق الأفكار والدورات وعدم التركيز على ما بدأ به أو تدرب عليه، فكل ماحصل عليه هو فتات من هنا وهناك وفي عدة موضوعات مختلفة وهذا كله غير كافٍ لبناء مهارة مميزة أو معرفة واسعة وعميقة يمكن الاعتماد عليها. أغلب الفنون والمهارات والمعرفة لا يمكن إتقانها أو بناءها بشكل سريع ولا على مبدأ ما يروج له في بعض الكتب التجارية كأن تتعلم الإنجليزية في «سبع أيام» أو تتعلم الطيران في 4 ساعات أو تتعلم الصينية وأنت نائم. فهذه الشعارات هي للاستهلاك التجاري فقط وأبعد ما تكون عنه من الواقع المعاش والمدعوم بالتجربة والأبحاث. التركيز على موضوع واحد حتى إتمامه وعدم استعجال النتائج حتى وإن طالت المدة أمران في غاية الأهمية للنجاح والتميز. وكل ما يتم تقديمه في الدورات والمحاضرات ما هو إلا نزر يسير من المحتوى اللازم لوضعك على بداية الطريق، ولتتمكن من إكمال الطريق والتعمق فيما بدأت به أو تدربت عليه لا بد من صرف الساعات الطوال والتي من الممكن أن تمتد إلى أشهر أو حتى سنوات لتجيد ما تعلمته ويشار إليك كمرجع مهم، ولولا القدرة على التركيز والصبر لأصبح الكل علماء وخبراء. يقول المتنبي (لولا المشقة ساد الناس كلهم ... الجود يفقر والإقدام قتال).