نمو هائل، وتطورات متسارعة ونقلة نوعية يشهدها سوق الأسهم السعودي يومًا بعد يوم، ففي فترة وجيزة شهد سوق الأسهم السعودي قفزة كبيرة تعكس حجم الجهود المبذولة في الاقتصاد السعودي والعناية به، وكان من أبرزها إدراج تداول السندات الحكومية في السوق السعودي، وتطبيق آلية المزاد والتداول على سعر الإغلاق وتعديل تسوية الصفقات والبيع على المكشوف وتعديلات إجرائية وفنية عديدة وسريعة عززت من الثقة في السوق، بالإضافة لإرساء مزيد من التشريعات وتعزيز الشفافية والحوكمة والإفصاح وتنويع الفرص أمام المستثمرين، وإضافة وتعديل الأطر التنظيمية بما يتلاءم مع استيفاء متطلبات الانفتاح والانضمام للتصنيفات والمؤشرات العالمية كمؤشرات "ام اس سي اي" و"فوتسي راسل"، بالإضافة لإدراج أبرز 30 شركة في السوق للتداول في مؤشرات "مورغان ستانلي"، إضافة لغيرها من الإنجازات الاقتصادية المتنوعة والمتوالية التي وضعت المملكة في مقدمة الدول وأهمها. وحول هذا أكد المحلل المالي والفني عماد رشيد الرشيد أن المملكة تعد من أهم الدول الجاذبة للاستثمار في المنطقة وذلك لوجود فرص استثمارية متعددة تتميز بطابع استثماري ضخم، وما زاد من تلك الفرص الاستثمارية برنامج رؤية المملكة 2030 الذي شجع دخول المستثمرين الأجانب إلى السوق السعودي، وإدراج السوق السعودي في مؤشر كل من MSCI وFTSE Russell يعد فرصة مهمة لإبراز إمكانات الشركات المساهمة السعودية على مستوى عالمي، ويعطي أعمالها زخما قويا كما سيعكس قدرتها على التنافس مع الشركات العالمية الأخرى. وأضاف أنه قد بلغ حجم التدفقات المالية غير النشطة بمرحلتي انضمام السوق السعودي إلى مؤشر MSCI قرابة 50 مليار ريال، وبلغت الأموال النشطة الداخلة إلى السوق السعودي منذ بداية تطبيق الانضمام لمؤشرات الأسواق الناشئة MSCI وFTSE Russell أكثر من 200 مليار ريال لعدد 1300 مستثمر أجنبي. كما ارتفعت نسبة المستثمرين الأجانب في السوق السعودي إلى 8 % بعد أن كانت 2 % في العام 2017، حيث سمحت المملكة للمستثمرين الأجانب المؤهلين بالدخول في السوق المالية السعودية في يونيو 2015، وذلك بهدف توسيع قاعدة الاستثمار الأجنبي في السوق المالية، وفي العام 2016 تم تحسين وتعديل شروط المستثمرين الأجانب المؤهلين ومن ثم أضيفت تعديلات جديدة في العام 2018 بهدف تسهيل متطلبات التأهيل الخاصة بالمستثمرين الأجانب ولم يتبقَ سوى مرحلتين لاكتمال دخول السوق السعودي إلى مؤشر FTSE Russell الأولى في سبتمبر 2019 والثانية في مارس 2020. وشهد السوق خلال السنوات القليلة الماضية نشاطاً كبيراً من حيث التطوير والتنظيم وسن القوانين والتشريعات لزيادة الأدوات والمشتقات المالية التي من شأنها تعزيز قدرة السوق على استقطاب المستثمرين وتنوع الأدوات الاستثمارية. وفي خضم الأحداث والأوضاع الجيوسياسية وتراجع أسعار النفط الخام والحرب التجارية الدائرة وما تشهده أسواق العالم من وضع اقتصادي سلبي في الفترة الحالية فقد خسر المؤشر العام جميع مكاسبه المحققة منذ مطلع العام الحالي وبدأت سلسلة الهبوط منذ بداية شهر مايو 2019 بعد ما بلغ المؤشر العام مستوى 9403 ليغلق في جلسة الخميس عند مستوى 7831، إلا أن السوق ما زال يتمتع بوجود فرص استثمارية وأسعار مغرية لكثير من الشركات الاستثمارية ذات العوائد. وقال: إن طرح "أرامكو" المتوقع الإعلان عنه في نوفمبر 2019 يعد أحد أهم الأسباب لزيادة التدافع على عمليات البيع خلال شهر سبتمبر رغم أن السوق بغنى عن توفير سيولة من خلال بيع الأسهم، ويستثنى من ذلك المحافظ الصغيرة، وسوف يستوعب السوق الطرح البالغ 1 % كمرحلة أولى ومن ثم الوصول إلى 5 % ليتم جمع ما يقارب 100 مليار دولار من خلال عملية الاكتتاب، علما بأن اكتتاب سهم البنك الأهلي العام 2014 تمت تغطيته أكثر من 2300 % حيث بلغت قرابة 300 مليون ريال. من جهته قال د. عائذ المبارك من كلية إدارة الأعمال جامعة الملك فيصل: إنه منذ العام 2015 والقطاع المالي السعودي يشهد تطورات متسارعة، أبرزها مواءمة السوق السعودي "تداول" مع متطلبات الأسواق العالمية لحفز عملية الإدراج في المؤشرات العالميّة، على سبيل المثال عدّلت هيئة السوق المالية فترة تسوية الأوراق المالية من نفس اليوم إلى يومين (T+2)، وخفّضت الحد الأدنى لأصول الشركات الراغبة في الاستثمار في السوق السعودي بغرض التقارب مع الأسواق العالمية الأخرى لجذب المستثمر الأجنبي، مشيرا إلى أنه تم تتويج هذه الجهود بانضمام السوق السعودي لمؤشرات الأسواق الناشئة الأمر الذي أدى إلى تطور معدلات الاستثمار الأجنبي في السوق المحلي، تُظهر النشرات الربعيّة لبرنامج تطوير القطاع المالي المتاحة على موقع الرؤية -والتي تحتوي على مؤشرات أدائه- أن ملكية الأجانب ارتفعت بشكل بسيط من 4.6 % في يناير 2016 وحتى 5.3 % في الربع الأول من 2019، مقارنة بنسبة مستهدفة تبلغ 15 % في العام 2020، وبالرغم من عدم صدور التقرير الربعي الثالث لبرنامج تطوير القطاع المالي، إلا أن تصريحات الرئيس التنفيذي لتداول م. خالد الحصّان تشير إلى ارتفاع النسبة إلى 8 % في أعقاب اكتمال انضمام "تداول" لمؤشر MSCI، ومن المرجح أن نلحظ تحسناً في أداء البرنامج إذا تم طرح شركة أرامكو التي قد تكون جذّابة للمستثمر الأجنبي في نطاق سعري معقول، وكذلك إذا اكتملت مراحل الانضمام إلى مؤشر FTSE. وقال في هذا السياق: تسارعت خطوات طرح أرامكو مؤخرا، بدءا بالإفصاح الكامل للقوائم المالية لشركة أرامكو وحتى تصريح الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية م. أمين الناصر بأن الطرح "قريب جدا" والذي تزامن مع تعيين الخبير بالسياسات النفطيّة الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزيرا للطاقة، كما أن التغيرات الأخيرة المتمثلة في اختيار محافظ صندوق الاستثمارات العامّة كرئيس للجنة التنفيذية لطرح أرامكو خلفا لوزير المالية، وتعيينه رئيسا لمجلس إدارة أرامكو خلفا لوزير الطاقة الأسبق يعد مؤشرا على قرب موعد الطرح، بسبب خبراته الطويلة في طرح الأوراق الماليّة، مؤكدا أنه وبحسب تصريحات المسؤولين الواردة في الفاينانشل تايمز ورويترز فإن الحكومة قد تطرح 1 % من أرامكو خلال السنة الميلادية الحاليّة، مع إمكانية طرح المزيد في مراحل لاحقة. تجدر الإشارة إلى أن الحكومة بدأت في التخطيط لطرح أرامكو في أواخر العام 2014 لعدّة أسباب من أبرزها توفير تدفقات نقدية كافية لتمويل المشروعات الضخمة التي تعتزم الحكومة تنفيذها في سياق الجهود الرامية لتنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط. في تلك الأثناء، كان التركيز على طرح دولي باستهداف أسواق مثل نيويورك ولندن لأسباب كثيرة أبرزها حجم تلك الأسواق القادر على استيعاب شركة بحجم أرامكو بالإضافة إلى بنيتها التحتية وموثوقيتها من وجهة نظر المستثمرين مما قد يرفع من تقييم الشركة، بالإضافة إلى أن الطرح الدولي سيرفع مساهمة المستثمر الأجنبي في الطرح، ما يعني مزيدا من الدولارات في الاقتصاد السعودي، إلا أن ذلك قد يعني تعريض الشركة لمخاطر قانونية، ما دفع الحكومة للبحث عن أسواق أكثر موثوقية من وجهة نظر المملكة، وبناء على ذلك فإن بعض الأخبار تشير إلى أن الطرح سيكون في السوق المحلي في المرحلة الحالية على الأقل، والذي أصبح أكثر قدرة على استيعاب طرح أرامكو بعد مواءمته مع الأسواق الدولية وانضمامه للمؤشرات العالميّة كما ذكرنا. وأكد أنه ستساهم عملية طرح أرامكو في السوق المحلي في رفع إجمالي القيمة السوقية للسوق السعودي وزيادة وزنه في المؤشرات العالمية، بما يحقق مستهدفات برنامج تطوير القطاع المالي، بالإضافة إلى تعزيز مستوى محاكاة السوق المالية للاقتصاد السعودي عبر زيادة نسبة تمثيل قطاع الطاقة في تداول. فيما قال نائب رئيس سعودي سكوب للاستشارات والأعمال هشام بن إبراهيم الوليعي: إن سوق الأسهم السعودي شهد نقلة كبيرة في فترة قصيرة، ولعل من أبرزها إدراج تداول السندات الحكومية في السوق السعودي، وتطبيق آلية المزاد والتداول على سعر الإغلاق وتعديل تسوية الصفقات والبيع على المكشوف وتعديلات إجرائية وفنية عديدة وسريعة عززت من الثقة في السوق، بالإضافة لإرساء مزيد من التشريعات وتعزيز الشفافية والحوكمة والإفصاح وتنويع الفرص أمام المستثمرين، وإضافة وتعديل الأطر التنظيمية بما يتلاءم مع استيفاء متطلبات الانفتاح والانضمام للتصنيفات والمؤشرات العالمية كمؤشرات "ام اس سي اي" و"فوتسي راسل"، بالإضافة لإدراج أبرز 30 شركة في السوق للتداول في مؤشرات "مورغان ستانلي". وقال: إن هذه التغييرات والتحديثات وغيرها سرعت من خطط فتح الاستثمار الأجنبي واستقطاب المستثمرين العالميين وعززت السيولة في السوق السعودي، وكان من نتائج الانضمام للمؤشرات العالمية دخول استثمارات وتدفقات قاربت 60 مليار ريال على مراحل، ولا يزال يتوقع استمرار تدفق السيولة الاستثمارية مع المراحل القادمة ومع العمل على مزيد من تعزيز الثقة والشفافية وطرح مزيد من الأدوات والخيارات الاستثمارية وإدراج مزيد من الشركات. ولعل أبرز ما يترقبه السوق السعودي والأسواق العالمية في الفترة القصيرة القادمة التجهيز لإدراج نسبة بسيطة من أسهم شركة أرامكو السعودية في السوق المحلي، مع التخطيط لإدراج نسبة أخرى في سوق عالمي آخر يترقب الإعلان عنه قريباً، ويعد إدراج الشركة في السوق السعودي قفزة ونقلة نوعية أخرى مرتقبة للسوق السعودي وعاملا مؤثرا حيث سيعمق من تركيز الصناديق والمستثمرين العالميين في السوق استباقاً وترقباً لوقت الإدراج، وسيعمل على جذب واستقطاب مزيد من المستثمرين المحليين والدوليين، حيث تقع شركة أرامكو حالياً على المجهر ومادة دسمة في الإعلام الاقتصادي الدولي وتزخر تقارير ومقالات الاقتصاديين بالتطرق لها وترقب طرحها، حيث ينتظر أن تكون شركة أرامكو أكبر شركة تتداول في الأسواق المالية بقيمة مقدرة بتريليوني دولار، إضافة لتحقيقها أعلى معدلات الربحية مقارنة بالشركات المماثلة. وقال المحلل والكاتب الاقتصادي علي محمد الحازمي إنه منذ بداية هذا العام نلاحظ أن السوق السعودي تأثر بشكل غير مباشر بما يحدث على الساحة الدولية بين أضخم اقتصادين في العالم وهما أميركا والصين ما انعكس سلباً على الاقتصاد العالمي ككل محدثاً تباطؤا اقتصاديا، إضافة إلى التذبذبات في أسعار النفط إما بسبب الأوضاع الجيوسياسية أو وفرة المعروض من ناحية أخرى، كما تأثر السوق بتأثيرات أخرى مباشرة تمثلت في تطبيق بعض السياسات في السوق السعودي مثل تطبيق آلية جديدة للتداول على سعر الإغلاق وأيضاً انضمام مؤشر السوق السعودي إلى المؤشرات العالمية على عدة مراحل لذلك سيشهد السوق مرحلة رابعة من الإدراج في مؤشر "فوتسي" للأسواق الناشئة في نهاية سبتمبر، وهذه الأسباب "المباشرة وغير المباشرة" ألقت بظلالها على السوق تارة بشكل إيجابي ما أحدث سلسلة من الارتفاعات وتارة أخرى بشكل سلبي ما أحدث كثيرا من التراجعات ولو تتبعنا المؤشر منذ يناير من العام 2019 إلى اليوم لوجدنا أن المؤشر تقريباً عاد إلى مستويات 7800 التي كان عليها بداية هذا العام. وتابع "أما من ناحية طرح أسهم شركة أرامكو في السوق السعودي إذا افتراضنا في أقل تقدير أن ما سيطرح في السوق هو 1 % فإن حجم الطرح سيكون 75 مليار ريال وهو يعد أضخم اكتتاب في السوق السعودي والشرق الأوسط، ولعلنا نستدل هنا بالتجربة السابقة لطرح أسهم البنك الأهلي على الرغم من أن ما سيطرح من اكتتاب لشركة أرامكو في السوق السعودي يمثل أكثر من ثلاثة أضعاف اكتتاب البنك الأهلي؛ لهذا أتوقع أن يكون هناك إقدام من المستثمرين الأفراد والمؤسسات بالاستعداد لتوفير السيولة ما يعني تسييل بعض المحافظ، وبشكل عام إدراج أسهم شركة أرامكو في السوق السعودية سيحدث نقلة نوعية أما من ناحية تغير دفة القيادة حيث سيكون في المقدمة من ناحية التأثير في السوق السعودي أو من ناحية الجودة في جذب رؤوس الأموال الخارجية". وقال المستشار الاقتصادي والمالي فاروق الخطيب: إنّ طرح 1 % من أسهم شركة أرامكو السعودية للاكتتاب العام، قد يحقق عائدات تعادل قيمة جميع الاكتتابات العامة التي أجريت في السعودية خلال السنوات العشر الماضية، ما يلفت الانتباه إلى أنه لو تم تقييم أرامكو، الشركة الأكثر ربحية في العالم، عند 1.5 تريليون دولار، فإن عائدات طرح 1 % من أسهمها ستساوي عائدات 72 شركة بدأت إدراج أسهمها في بورصة الرياض منذ 10 أعوام. وتسعى السعودية لرفع أسعار الخام المتقلبة قبل طرح 5 % من أسهم "أرامكو" للاكتتاب العام الأولي، في عملية يتوقع أن تكون أكبر طرح للأسهم في العالم، أما الهدف فهو جمع مئة مليار دولار، في حين يشكل طرح أسهم الشركة للاكتتاب العام، حجر أساس برنامج الإصلاحات الذي وضعه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتنويع اقتصاد المملكة، والتخفيف من اعتماده على النفط. أما بما يتعلق بانفتاح الأسواق المالية السعودية إلى الأسواق العالمية، قد يعد خطوة جريئة ومهمة في تاريخ الأسواق المالية في المملكة وذلك لعدة أسباب منها أن سماح دخول المستثمرين الأجانب إلى الأسواق المالية السعودية يشكل خطة اقتصادية لدخول هذه الاستثمارات الأجنبية وتشجيعا للأسواق المحلية، ما سيؤدي إلى نمو اقتصادي في قطاعات غير البترول مثل الصناعات الثقيلة وسوق العقارات، وفي نهاية المطاف فإن عائد الفرد الشخصي سوف يرتفع ما يقودنا إلى توقعات عالية في نمو الاقتصاد داخل المملكة إلى مستويات قد تفوق ال 4.4 % بمعدلات سنوية خلال العقد القادم.