لم تكن الأغنية الوطنية مجرد عملاً فنياً وحسب، لكنها وحسب التاريخ الطويل والإمتداد لهذه الأعمال السعودية ومن ساهم في صناعة أغانٍ وطنية تتناسب مع معنى «اليوم الوطني» ورسم صورة العشق الذي يسكن المواطن تجاه وطنه وأبناء شعبه، لهذا النوع من الأغاني الخالدة والسيرة القديمة التي بدأت مع نشأة المملكة واستمرت إلى وقتنا الحالي. هذه الموسيقى الحسية، رافقت الوطن منذ زمن بعيد، عندما استثمر «النشيد» الوطني في إحياء الشعور الوطني في وجدان السعودي، إذ كانت القصائد الوطنية تتردد بشكل عفوي مخلدة شعورًا صادقاً تجسده بقوالب فنية شعبية، لكن الأغنية الوطنية بشكلها الحديث جاءت قبل ظهور الفنانين السعوديين، وذلك عندما قدم المطرب الكويتي الراحل عبداللطيف الكويتي أغنيته: «أهلاً وسهلاً مرحباً وأبدي سلام أتحيةٍ قلبي أيرددها مديم». خلال زيارته للمملكة العربية السعودية، عام «1934م» مباركاً للملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن «طيب الله ثراه» في العاصمة الرياض، وكتبها علي بن موسى بن عبدالمحسن السيف المعروف ب»الملا علي». هذه الأغنية تعد الأغنية الوطنية الأولى التي تحكي حب المملكة وعشق ترابها. بعد ذلك قام الراحل أبو سعود الحمادي بإعادة صياغة العرضات الشعبية التي كانت تردد قبل توحيد المملكة وقدمها في قالب غنائي متفرد كان أهمها أنشودة «أشعلوها» من كلمات حسن عدوان، وكذلك نشيد «لا تجزعي» الذي كتب كلماته ولحنه أبوسعود الحمادي وتغنى بها عدة فنانين في ذلك الوقت منهم سعد إبراهيم. وفي كل سنة تأتي أغانٍ وطنية جديدة ويأتي فنانون ليتغنوا بالوطن، لكن يأبى الخلود إلا أن يمنح نفسه لعدد محدود من الأغاني التي حجزت مكانها في وجدان الناس منذ عقود طويلة. أغانٍ اكتملت فيها عناصر الإبداع؛ لحناً وأداء وكلمات، وتألقت فيها الروح الوطنية الصادقة التي عبر عنها مطرب متمكن بأدائه وقدراته. وأول هذه الأغاني وأهمها على الإطلاق رائعة الراحل طلال مداح «وطني الحبيب» التي ما زالت تتردد على ألسن السعوديين وسيطرت على وجدانهم منّذ نشأتها حتى الآن، كانا الراحل طلال مداح وعبدالرزاق بليلة لهما المحطة الغنائية الأهم في تاريخ الأغنية الوطنية عبر رائعة «وطني الحبيب» أنشودة الحب والروح الشفافة التي هي من أقدم الأعمال الوطنية الموسيقية الفلسفية وأكثرها خلوداً وتأثيراً، قام طلال مداح بعد سنوات بتقديمها من جديد بأسلوبه العذب ليؤكّد خلودها في وجدان السعوديين.. مردداً: «روحي وما ملكت يداي فداه وطني الحبيب وهل أحب سواه وطني الذي قد عشت تحت سمائه وهو الذي قد عشت فوق ثراه». من جانبه كان الراحل سلامة العبدالله من النجوم الذين يتغنون بالأعمال الوطنية الشهيرة في عدة مناسبات ومنها الاحتفالية باليوم الوطني، وأكثرها شهرة أغنيته: «مضينا بعزم يفلّ الحديد نقيم البناء لفجر جديد أردنا لك الخير يا موطني بعزم أكيد يفل الحديد». هذه لا تقل جمالاً ولا خلوداً ولا تأثيراً عن رائعة الفنان أبوبكر سالم بلفقيه «يا بلادي واصلي» التي ظهرت بداية الثمانينات الميلادية بأسلوب طربي مختلف. ظهر الراحل أبو بكر سالم بشكل مفاجئ وصوت أخّاذ ليلهب الحناجر، في رائعته «يا بلادي واصلي» عام «1400ه»، التي ظلت قيمة وقامة في فضاء الفن السعودي. هذه الأغنية الخالدة هي الإشارة الخضراء لدخوله قلوب السعوديين، والتي صنعها بعد لقائه بوزير الإعلام الراحل محمد عبده يماني في المدينةالمنورة، في اجتماع كان الغرض منه تقديم أغنية للوطن. سافر على إثره أبوبكر سالم من المدينة إلى القاهرة، وكتب كلمات الأغنية وهو على متن الرحلة، وأثبت بها بأنه لم يكن فناناً وحسب إنما أديب بارع، وملحن متمكن، حيث سجلها بلحن من إبداعه في أستوديوهات القاهرة بعد أربع وعشرين ساعة فقط من وصوله للعاصمة المصرية. في تلك السنوات كان السباق على أشده لتقديم عمل فني خالد، من هنا كان الكاتب اللبناني سعيد فياض يعمل في جدة، أبى إلا أن تكون له بصمة وطنية مع الملحن الكبير سراج عمر في رائعة «بلادي بلادي منار الهدى»، والتي فضل سراج عُمر التغني ليمنح صوته واسمه خلوداً في مسيرة العمل الوطني، تقول كلماتها: «بلادي بلادي منار الهدى ومهد البطولةِ عبر المدى عليها ومنها السلام ابتدا وفيها تألق فجر الندى حياتي لمجدِ بلادي فدِا بلادي بلاد الإباء والشمم ومغنى المروءةِ منذ القدم». وفي منتصف الثمانينات قدم الفنان محمد عبده أغنيته الشهيرة «فوق هام السحب» من كلمات الأمير بدر بن عبدالمحسن التي مازالت تذاع ويحتفل بها السعوديون في كل مناسبة. هذه أهم الأعمال الوطنية في تاريخ الأغنية السعودية، قد تبعتها أعمال أخرى لفنانات وفنانين سعوديين قدموا كثيراً من الأناشيد الوطنية وتواجدوا مع الوطن في كل أعياده ومناسباته، وإن اختلفت هذه الأناشيد الكلاسيكية في أشكالها فإنها مازالت تزهو بين الأعمال الوطنية الأخرى رغم مرور عقود من الزمن عليها، ومازال الفنانون الحاليون يقدمون الأناشيد والأغاني الوطنية بمختلف الأنغام والإيقاعات في كل احتفالاته وأفراحه. غالباً تمتلىء الساحة بالإبداع النغمي، حيث لا تخلو أي مناسبة وطنية سعودية من تقديم الأعمال الوطنية، بالتالي كانت أغنية «أنت ملك» هي أهم الاعمال الوطنية التي ذاع صيتها مؤخراً، بعد أن طرحها الفنان السعودي رابح صقر عام «2016». «انت ملك من قبل لا تصبح ملك وانت الذي تامر وشعبك قدها الدار دارك والوطن كله هلك وافعالك تحير شعوب تعدها». على ما يبدو أن هذا العمل هو الأيقونة الحقيقية لارتباط الفنان مع الجمهور، لذلك جميع الفنانين يغنون «أنت ملك» في جميع مناسباتهم الغنائية، ويرددها المواطنون بفخرٍ واعتزازٍ. وساهم تداولها بشكل حقق لها الانتشار الواسع. رابح صقر الراحل سراج عمر الراحل أبوبكر سالم بلفقيه الراحل طلال مداح